لا شك أن الوضع الأمني في ​طرابلس​ يتطور إيجاباً أكثر فأكثر، بعد التزام الجيش والقوى الأمنية تنفيذ الخطة الأمنية، وبالتالي إلغاء كل المظاهر المسلحة؛ من دُشم وعوائق حديدية وإسمنتية، والعمل على فتح الطرق بين منطقة جبل محسن والمناطق المحيطة، علّ ذلك يسهم في إعادة ما انقطع بين الطرابلسيين، جراء "جولات الاشتباكات العشرين" الفائتة.

يبدو أن الاستقرار الذي تشهده "عاصمة الشمال" ليس مجرد هدنة هشة، خصوصاً بعد انتهاء دور المدينة في استهداف سورية، من خلال إيواء المجموعات التكفيرية المسلحة فيها، واستخدام مرفأها لتهريب السلاح إلى الأراضي السورية، بعد سيطرة الجيش السوري على المناطق الحدودية المشتركة مع لبنان، أضف إلى ذلك ولادة "الحكومة السلامية" ونيلها ثقة المجلس النيابي، وتوجُّه هذه الحكومة إلى مكافحة الإرهاب، وبدا هذا الأمر جلياً من خلال توقيف بعض الإرهابيين الخطرين، ودهم مقارّ بعض الخلايا الإرهابية في مناطق عدة في البقاع والشمال.

وما يؤكد أيضاً استتباب الاستقرار في "الفيحاء"، تسليم بعض "قادة المحاور" أنفسهم إلى الأجهزة المختصة، الأمر الذي يؤشر إلى اقتناعهم بانتهاء "وظيفتهم"، ورفع مشغليهم الغطاء السياسي والأمني عنهم.

وليس خافياً على أحد أن "قادة المحاور" مرتبطون بأطراف سياسية فاعلة وبأجهزة أمنية، كانوا ينفذون "أجندتها" لا أكثر، ما قد يدفع هذه الأطراف إلى إيجاد تسويات للملفات القضائية لمسلحي طرابلس، خشية أن ينقلب الشارع على "المشغلين" في الانتخابات النيابية المرتقبة، خصوصاً في ضوء الخلاف "المستقبلي - الوهابي".

لكن في الوقت عينه هناك تخوّف حقيقي لدى بعض القوى الإسلامية من إتمام تسوية سياسية على حسابهم، وبالتالي تعيد تجربة معركة "نهر البارد" أو "حرب طرابلس" في العام 1985، لكن من دون تدخل سوري مباشر هذه المرة، ما دفع بعض "القياديين السلفيين"، كالشيخ سالم الرافعي، إلى مناشدة أهالي "باب التبانة" والمناطق المحيطة بعدم التعرض لعناصر الجيش، درءاً للفتنة، وحرصاً على الإسلاميين من أن يتحوّلوا إلى وقود لأي تسوية إقليمية لها انعكاسات على الوضع الداخلي.

وهنا تُبدي مصادر سياسية تخوّفها من حصول بعض التجاوزات الأمنية التي لا تصل إلى حد الانفجار، جراء ملاحقة الأجهزة المختصة لبعض "الإسلاميين" بتهمة الإرهاب، خصوصاً من لهم صلة بتنظيم "القاعدة".

وترى المصادر أن تيار "المستقبل" قد يستغل هذه التجاوزات فيما لو حصلت، للتأثير في الاستحقاق الرئاسي، ومحاولة تسويق أسماء مرشحين يدورون في فلكه، بذريعة أن الأوضاع في لبنان لا تحتمل انتخاب رئيس للجمهورية من خارج "النادي التوافقي"، على حد قول المصادر.

في المحصلة، حبذا لو اتعظ الإسلاميون من تجارب الماضي القريب، لا سيما تجربة "نهر البارد"، فما كانوا وقعوا ضحية للاستغلال السياسي ووقوداً لتسويات إقليمية أو محلية، كذلك ما كانوا ليسهموا في تخريب استقرار طرابلس، وضرب بنيتها الاجتماعية والاقتصادية