يبدو أنّ محور المقاومة استفاد من ​العدوان الإسرائيلي​ على قطاع غزة، من أجل إعادة ترميم خطوط الإتصال بين أركانه، بعد التوتر الذي حصل على خلفية موقف حركة "حماس" من الأحداث السورية، والإتهامات التي وُجّهت لها بالمشاركة في القتال إلى جانب قوى المعارضة المسلحة، بالرغم من الدعم الذي كانت تحظى به من القيادة السورية على مدى سنوات طويلة.

وعلى الرغم من الكلام الكثير الذي قيل عن "حماس" في الفترة السابقة، لم يجد أركان هذا المحور أنفسهم اليوم إلا داعمين لها في مواجهتها مع الإسرائيلي، التي من المتوقع أن تترك تداعيات كبيرة على صعيد المنطقة، تحت عنوان: "فلسطين هي البوصلة".

المقاومة هوية لا خيار فقط

لدى الحديث عن الموقف من العدوان القائم على قطاع غزة، يستحضر أبناء محور المقاومة خطاب الرئيس السوري ​بشار الأسد​ الأخير، من أجل التأكيد أن القيادة السورية نفسها لا تستطيع أن تكون إلا في الموقع الداعم لحركات المقاومة، خصوصاً من خلال موقفه الحاسم بأن "النأي بالنفس هنا هو كمن يشاهد النار تلتهم بيت جاره ولا يساعد في إطفائها"، ومن ثم ينتقل هؤلاء إلى الإتصال الذي جرى بين الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله ورئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل، الذي أكد فيه الأول "وقوف حزب الله والمقاومة اللبنانية إلى جانب انتفاضة ومقاومة الشعب الفلسطيني".

إنطلاقاً من ذلك، يوضح مدير مركز دمشق للدراسات الاستراتيجية بسام أبو عبد الله أن الموقف السوري من المقاومة الفسلطينية مبدئي، وقد تم التأكيد في أكثر من مناسبة على عدم التخلي عن هذا الخيار في أي مرحلة، بالرغم من كل ما حصل في السنوات الأخيرة.

ويلفت أبو عبدالله، عبر "النشرة"، إلى أن علاقة القيادة السورية مع بعض القيادات الفلسطينية مرت بالعديد من المطبات في السابق، إلا أن ذلك لم يمنعها من الإستمرار بدعم خيار المقاومة، ويشير إلى الخلاف الذي حصل مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات على خلفية الموقف من مفاوضات أوسلو، ويوضح أن ذلك يعود إلى أن سوريا تتعامل مع هذه القضية من منطلق إستراتيجي وليس بناء على العاطفة أو ردات الفعل.

من جانبها، لم تقطع القيادة الإيرانية علاقتها مع "حماس" رغم الخلاف حول الموقف من الأحداث السورية، ومع ذلك فإنّ العلاقات بين الحركة وأركان محور المقاومة توترت إلى حدّ ما، بحسب ما يرى المحلل السياسي الايراني أمير موسوي، الذي يشير إلى أن ذلك لم يمنع مختلف الأفرقاء من الحفاظ على علاقات مميزة مع "​كتائب عز الدين القسام​"، الجناح العسكري لـ"حماس"، وباقي فصائل المقاومة في غزة، والدليل على ذلك هو القدرات التي تظهر في العدوان الحالي.

ويؤكد موسوي، في حديث لـ"النشرة"، أن الموقف من المقاومة لم يتأثر بأي شكل من الأشكال بالموقف السياسي لـ"حماس"، رغم الخلاف المباشر مع الحكومة السورية التي تعتبر أنها تعرضت لـ"خيانة" من قبل قيادة "حماس" السياسية، لكن بصورة عامة يعرب موسوي عن تفاؤله بمعالجة هذا الأمر في المستقبل.

أما بالنسبة إلى قيادات "حماس"، فمن الواضح أنها لا تفضل الدخول في هذا النقاش في هذه المرحلة، حيث يسارع ممثلها في لبنان علي بركة عند سؤاله عن الموضوع إلى القول: "نحن في حالة حرب"، قبل أن يؤكد أن "غزة بحاجة اليوم إلى كل أبناء الأمتين العربية والإسلامية".

ومن ثم يعود بركة، في حديث لـ"النشرة"، إلى الإتصالات التي حصلت مع قيادة الحركة من الجانبين الإيراني واللبناني، ليشير إلى أن العلاقة موجودة ومميزة، أما بالنسبة إلى القيادة السورية، فيلفت إلى أن "لا علم له بحصول اتصال من هذا النوع" من دون أن ينفي أو يؤكد ذلك.

إيران قادرة على إدارة الخلاف

في ظل هذا الواقع، يبدو أنّ القيادة الإيرانية تلعب دوراً بارزاً على صعيد إدارة الخلافات داخل أركان "البيت المقاوم الواحد"، وتراهن على قدرتها على إعادة الأمور إلى سابق عهدها في المستقبل، رغم أنّ ذلك لن يكون في وقتٍ قريب، إلا أنّ العدوان الحالي قد يساهم في تذليل الكثير من العقبات.

وفي هذا السياق، يرى أبو عبدالله أن عودة العلاقة مع "حماس" إلى سابق عهدها غير ممكنة في الوقت الراهن، لا سيما مع بعض القيادات السياسية أمثال خالد مشعل، لكنه يشدّد على أن دعم القضية الفلسطينية لا يرتبط بأشخاص أو منظمات.

من وجهة نظر أبو عبدالله، على قيادة "حماس" أن تعتذر أولاً من الشعب السوري كخطوة أولى للعودة، لا سيما أن إرادة هذا الشعب هي الأساس الذي لا يمكن تجاوزه.

من جانبه، يفضل بركة التأكيد أن غزة اليوم تدافع عن شرف الأمة، ويشدد على أن من يقف إلى جانبها سينتصر لأنها ستخرج من المعركة منتصرة، ويضيف: "المقاومة في فلسطين هي رأس حربة مشروع المقاومة، و"حماس" لا تقف إلى جانب هذا المحور العربي ضد ذاك، ومن يريد الدفاع عن المقاومة عليه أن يتصالح مع الشعب الفلسطيني أولاً".

أما بالنسبة إلى موسوي، فانّ إيران قادرة على لعب دور إيجابي على هذا الصعيد، وهي دائماً ما ترحب بعودة المقاومين إلى مكانهم الطبيعي، لكنه يشير إلى أن ذلك لا يزال يحتاج إلى بعض الوقت، ويفضل وصف ما يجري بالخلاف داخل "البيت المقاوم الواحد"، لكن هذا الأمر سيعالج لا سيما أن البعض في قيادة "حماس" بدأ يعطي إشارات إيجابية.

إذا، بدأ البعض داخل هذا المحور بالتفكير في المرحلة اللاحقة، بعد الإنتصار على العدوان الحالي، فهل ستنجح إيران بتأمين عودة المياه إلى مجاريها السياسية أم أن طريق العودة ستبقى مقطوعة، نظراً إلى أنها من وجهة النظر السورية فضلت الإنتماء إلى حركة "الإخوان المسلمين" على الإنتماء إلى محور المقاومة؟