الرئيس أمين الجميل في خير، وتشعّرٌ عظمي بسيط في رجله اليسرى لا يؤثر على قراراتٍ تحتاج الى حكّ دماغٍ وتفكير طويل. ليس رجل بكفيا المخضرم من يتسرّع، لا تليق به القرارات “الطائشة” في توقيتها وهو المعروف باصطياده الفرص وسحبها كالشعرة من العجين من دون أن يشعر أحدٌ بذلك، فكيف إذا كان الأمر متعلقاً بقرار مصيريٍّ من قبيل الترشّح رسميًا للرئاسة في زمن التفكير في غير الرئاسة.

أمين الجميل مرشّحٌ دائم ولا غرابة في زجّ اسمه في اللوائح ولكن... ليس اليوم بالتحديد. فالجميل كما يقول عارفوه أذكى من أن يطرح نفسه مرشحًا في هذا التوقيت بالذات فيما يعلم القاصي والداني أن هذا الملف طُوِي مرحلياً على حساب التفكير في الانتخابات النيابية والقانون الذي ستُجرى على أساسه، وأن التسويات التي دارت في الكواليس المحلية والإقليمية لم تلحظ اسمه بقدر ما كان العماد ميشال عون بطلها أو في أحسن الأحوال بعض الأسماء الوسطية التي تحتفظ بها بكركي لوقت الشدّة.

ليس "طفلاً"...

ليس الرئيس الجميل بعيداً عن أجواء قصر بعبدا وهو الذي اختبر كرسيّه في ولاية كاملة قبل أن يعود هذا الحلم ويدغدغه ولكن هذه المرة “كمرشّح توافقي” يتنقل بين الرابية ومعراب وعين التينة وبكركي فارضاً نفسه أولاً ثم طارحاً مبادراتٍ إنقاذيّة لتلافي الشغور. كسواه فشل الجميل في ردع السيناريو المرّ، وقع الفراغ وبقي اسمُه من ضمن المرشّحين المتأهّبين الجاهزين في أي وقتٍ متى تلاشت كلّ الصيغ والتسويات. ومع ذلك، ليس الجميل “طفلاً” في السياسة حدّ تنصيب نفسه رئيسًا مستقبلياً في كواليسه الضيّقة أو حدّ السماح لأحدٍ من مقرّبيه بتسريب حكاية إقدامه على إعلان ترشّحه الأسبوع المقبل. فماذا يدور في الكواليس الكتائبية على خطّ الرئاسة؟

ثلاثة احتمالات

ثلاثة احتمالات لا يبدو لرابعٍ مكان بينها يمكن أن تقارب الغمز الكتائبي من باب ترشّح الرئيس الى ولايةٍ ثانية تفصل بينهما 26 عامًا. أولاً، إما أن الحكاية جديّة من باب “لا دخان بلا نار” ولو لم يُحكَ ذلك على مسمع أحد المصادر لما تجرّأ على تسريبها هذا إن لم يكن الجميل نفسه راضياً عن تسريبها لجديّته في حسم الأمور لصالحه مستغلاً سقوط ورقة سمير جعجع نهائياً وتراجع أسهم عون في كواليس “المستقبل” ودعم المختارة الصريح وعين التينة الضمني. ثانياً، قد يكون المرتقي في سيناريو ترشّح الجميل ليس سوى مصطاد في الماء العكر يسعى في الحقيقة الى ضمّ اسمه الى قافلة الأسماء التي أحرقتها كثرة التداول لضمان خروج كلٍّ من الزعماء الموارنة الثلاثة (عون-جعجع-الجميل) من الحلقة الرئاسيّة المفرغة. وثالثاً، قد تكون مجرد رغبة ضمنية لدى بكفيا في اختبار ردود الأفعال إزاء شيوع خبر مماثل لا يعدو كونه فقاعة “لحرق الأعصاب” أو في أحسن الأحوال “زلّة” رُمِيت أمام أحد المتحمّسين لبلوغ الجميل عتبة قصر بعبدا.

لا كلمة حقّ أو باطل

لا يرتقي الكتائبيون أنفسهم بأيٍّ من الفرضيات الثلاث السابقة، فالتكتمّ الذي يلفّ كواليسهم يشي بأن هناك اتفاقاً واضحًا على عدم تحويل الكلام عن إمكانية ترشّح الجميل الى حديثٍ ممجوج. ربّما يعلم هؤلاء كلّ شيء ويؤثرون الصمت، وربّما لم تصلهم كلمة حقٍّ أو باطل من بكفيا أو الصيفي وهو ما أربكهم ودفعهم الى رفض الخوض في “كلام صحافي ستظهر صحّته من عدمها في الأيام القليلة المقبلة”. ومع ذلك، ورغم التكتّم المُحكَم والمدروس، علمت “صدى البلد” من مصادر كتائبيّة أن “أيّ حديثٍ عن ترشّح الجميل في مثل هذا التوقيت في غير محله لا بل يُعتبر ضرباً من ضروب الجنون خصوصًا أن الجميل واعٍ لحساسيّة المرحلة”. لا ينكر الكتائبيّون أن “الفكرة كانت واردة بالفعل سابقاً ولكنهم يعلمون اليوم أن من لم يصوّت لجعجع لن يصوّت للجميل، وركوناً الى هذه المعادلة التي يعيها الرئيس أمين جيداً لا يمكنه أن يُقدِم على خطوة الترشّح اليوم، رغم أنه مرشحٌ طبيعي في كلّ الأزمان باعتبار أن القاعدة هي من تفرض ترشيحه لا هو بنفسه”. وعلمت “صدى البلد” أن “الممرات الكتائبيّة لا تشهد في هذه الأيام كلامًا جدياً عن الرئاسة بقدر ما انشغلت أخيراً في أزمة الجامعة اللبنانية وتحديداً ملف العمداء تحديداً، وقد يكون وزيرٌ أو عضو مكتب متمحسيْن لفكرة ترشّح الجميل إلا أن الأمر غير مطروح حالياً".

حساباتٌ خاصة؟

ربما للجميل حساباتٌ لا يفهمها أحدٌ سواه وهي التي قد تدفعه الى الخروج بين ليلةٍ وضحاها ليُشهِر ترشّحه، وربما هو ليس سوى كلامٍ “لا يُطعِم خبزاً” في زمن الجوع الرئاسي، في زمن الجوع الى رئيس... أيّ رئيس.