لم يعد خافياً على أحد أنّ رئيس حزب "​القوات اللبنانية​" ​سمير جعجع​ كان ولا يزال مقتنعاً بأن وصوله الى القصر الجمهوري رئيساً لجمهورية لبنان، هو من سابع المستحيلات. وحتى جعجع نفسه، بدأ يترجم هذه القناعة ولو بطريقة غير مباشرة من خلال القول أكثر من مرة أنه مستعد للإنسحاب من المعركة وغير متمسك بترشحه إذا كان ذلك يحل المشكلة. ومن الأمور التي باتت مكشوفة أيضاً، المعادلة التالية: أي دعم قد يحظى به جعجع من بقايا تحالف الرابع عشر من آذار، لن يكون إلا بمثابة شيك بلا رصيد، في جلسات إنتخابية نصابها لن يؤمن، وحتى إذا تأمن هذا النصاب، فلن يحصل رئيس "القوات" فيها على الأصوات المطلوبة التي تعطيه لقب الفخامة على اعتبار انه لم يحصد في جلسة النصاب اليتيمة إلا 48 صوتاً فقط. إذاً ما الذي يريده جعجع من هذه المعركة الرئاسية المعروفة النتائج سلفًا؟

بالنسبة لفريق "التيار الوطني الحر"، الخصم اللدود لـ"القوات"، لا يريد جعجع إلا قطع الطريق أمام وصول رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون الى سدة الرئاسة الأولى، يتمسك بترشحه حتى يبدأ الحديث السياسي، وقد بدأ، عن مرشح ثالث من خارج إصطفافي عون وجعجع، مرشح حتى ولو كان من الدرجة الثانية أو الثالثة لناحية التمثيل الشعبي المسيحي، المهم ألا يصل الجنرال، وعندما ينسحب الأخير من المعركة، يصبح ترشح جعجع حكماً في خبر كان.

بين تحالف الرابع عشر من آذار من يعتبر أن رئيس القوات يتوّج بترشحه هذا مسيرة تلميع صورته التي بدأها بعد خروجه من السجن... الى السياسي الذي يرأس حزباً هو في صلب اللعبة السياسية الديمقراطية، إستبدل لباسه الحربي الزيتي بآخر رسمي، وأصبح من أصحاب ربطات العنق.

على هامش هذه القراءة، هناك رأي آخر داخل تحالف الرابع عشر من آذار، يقول إن جعجع يخوض بترشحه الرئاسي هذا حرب إلغاء سياسية لمسيحيي هذا الفريق، بدءاً بحليفه اللدود حزب "الكتائب"، مروراً بالشخصيات المسيحية الملحقة بتيار "المستقبل"، وصولاً الى حزب "الوطنيين الأحرار"، فالنواب الذين يحيطون أنفسهم بصفة المستقلين وعلى رأسهم بطرس حرب وروبير غانم. فإذا انتصر في حرب الإلغاء هذه، يصبح الحليف الأوحد لتيار "المستقبل"، الأمر الذي يرفع سعر "القوات" في كل الإستحقاقات النيابية والحكومية لناحية عدد المرشحين والحصة الوزارية، كل ذلك إذا بقي شيء من تحالف 14 آذار" وإذا لم يخلط الإستحقاق الرئاسي الحالي أوراق التحالفات الداخلية رأساً على عقب.

وبين القراءة الأولى والثانية، يبرز رأي صديق سابق لجعجع، كان من الفريق المقرب منه جداً ويعرفه كيف يفكر، وفيه إن "رئيس القوات يخوض معركة عام 2020 الرئاسية، في العام 2014، فهو على قناعة اليوم إنّ الظروف الإقليمية والدولية ليست لصالحه ولكن ما من شيء ثابت في السياسة خلال السنوات الست المقبلة، خصوصاً إذا صحّت رهاناته على عدم ركوب المنطقة ومن ضمنها لبنان رياح التسوية، وإذا نجح أكثر فأكثر في معركة تلميع صورته وحرب الغائه داخل فريقه السياسي".

إذاً يريد رئيس "القوات" من المعركة الرئاسية الحالية كل شيء إلا الفوز، وإذا حقق ما يريد مما ورد في القراءات الواردة أعلاه، يكون قد ربح كل شيء، والأبرز حجز موقع مهم له في المعارك المقبلة، ولكن هل يدرك أن لعبته هذه قد تحرم المسيحيين من إنتخاب رئيس قوي للجمهورية يتعطش مسيحيو لبنان والمنطقة اليوم لإيصاله في ظل ما يتعرضون له من إضطهادات في هذا الشرق؟ وهل يعرف أن التاريخ لن يرحمه على فعلته هذه؟