كل المعلومات الواردة من الرابية تؤكّد رفض رئيس "تكتّل التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون التراجع عمّا يعتبره حقّه بأن يكون رئيساً للجمهورية، كونه يرأس أكبر كتلة نيابيّة مسيحيّة، ولأنّه يعتبر نفسه أيضاً الأكثر تمثيلاً على المستويين المسيحي واللبناني العام. ويأتي إقتراح قانون تعديل الدستور من جانب تكتّل "التغيير والإصلاح" ليصبّ في خانة الهدف نفسه، لأنّه وبحسب إحصاءات وحسابات "التيّار الوطني الحر"، من شأن هذا التعديل أن يؤمّن وصول "الجنرال" إلى قصر بعبدا بأغلبية شعبيّة مريحة. وليس سرّاً أنّ هذا الطرح جاء بعد فشل حملة تسويق العماد عون كرئيس "توافقي"، وكذلك بعد فشل حملة تسويقه بصفته "الرئيس المسيحي القوي"، خصوصًا وأنّ المرحلة الحالية هي فترة مراوحة، وغياب إقليمي ودولي عن الملفّات اللبنانيّة الشائكة، نتيجة سخونة واضحة في ملفّات دول المنطقة ككل.

في المقابل، كل المعلومات الواردة من أوساط القوى المسيحيّة في "14 آذار"، إن النيابية المستقلّة منها أو الحزبيّة، تؤكّد أن لا مجال للموافقة على العماد عون رئيساً للجمهورية، كونه يُمثّل خطاً سياسياً معاكساً لما تؤمن به، خاصة بالنسبة إلى تحالفه مع "حزب الله" الذي يفرض بقوّته المسلّحة سياسات داخلية وإقليمية مناهضة تماماً لمبادئ قوى "14 آذار". والرفض "الآذاري" للعماد عون رئيساً، ينسحب أيضاً على طروحاته السياسية، وجديدها مسألة إنتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من قبل الشعب. وفي هذا السياق، تعارض أوساط قوى "14 آذار" المساس بالدستور في الظرف الراهن، خاصة وأنّ التعديل المطلوب ليس بسيطاً بل يؤثّر على مجمل التوازنات الداخلية. وتستغرب هذه القوى حديث العماد عون الدائم عن غبن يطال المسيحيّين، لأنّ المناصفة بعدد النواب مع المسلمين شكليّة فقط، باعتبار أنّ عدداً كبيراً منهم يصل إلى المجلس بأصوات أغلبيّة إسلاميّة مطلقة أو بأصوات أغلبيّة مرجّحة بأقلّ تقدير، ومطالبته في الوقت عينه بانتخاب الرئيس المسيحي بأصوات اللبنانيين عموماً. وتوضح أنّ إنتخاب الرئيس من قبل 64 نائباً مسلماً و64 نائباً مسيحياً يصل بعضهم بأصوات المسلمين، يبقى أفضل بأشواط من إنتخابه من قبل الشعب الذي يُشكّل المسيحيّون نحو 38 % منه فقط، حيث الأغلبيّة العددية باتت تميل بوضوح إلى المسلمين (نحو 62 %) بحسب جداول لوائح الشطب الإنتخابيّة الرسميّة. وترى أوساط قوى "14 آذار" أنّ رهان العماد عون اليوم على دعم "حزب الله" بثقله الشيعي الكبير للوصول إلى الرئاسة عبر تعديل الدستور، يُمكن أن يتحوّل إلى هيمنة على القرار المسيحي في المستقبل، في حال تكريس واقع إنتخاب الرئيس من قبل الأغلبيّة العددية الشعبيّة. وتلفت هذه الأوساط إلى أنّ من شأن التصويت على مرحلتين، أيّ على المستوى المسيحي أوّلاً ثم على المستوى الإسلامي ثانياً – بحسب إقتراح القانون، أن يتسبّب باعتراض إسلامي كون الناخبين المسلمين سيتحوّلون إلى مواطنين لبنانيّين من الدرجة الثانية يختارون من بين من يختاره المسيحيّون. أكثر من ذلك، إنّ فوز أحد المرشّحين على المستوى المسيحي بفارق كبير على منافسه، قد يسقط ويتبخّر في التصويت الثاني عند إحتساب أصوات المسلمين المرجّحة، بحيث من الممكن أن يصبح الفائز الثاني بين المسيحيّين رئيساً للبنان!

وأمام تمسّك الجنرال بترشيحه غير المعلن، وتمسّك قوى "14 آذار" برفض هذا الترشيح أيضاً، يبدو أن حظوظ الإنتخابات الرئاسية ستبقى ضعيفة جداً في المدى المنظور، حيث يراهن كل طرف من الطرفين المعنيّين على تدخّلات وضغوط إقليميّة ودولية لتليين موقف الطرف الآخر، ولتبديل المعطيات القائمة. فـ"التيّار الوطني الحر" يَعتبر أنّه في النهاية سيصدر قرار دولي بالتوافق مع السعودية للضغط على "تيّار المستقبل" الذي بدوره سيضغط على حلفائه للسير بالعماد عون رئيساً، بينما القوى المسيحيّة في "14 آذار" تعتبر أنه في النهاية سيصدر قرار دولي بالتوافق مع إيران للضغط على "حزب الله" الذي بدوره سيضغط على حلفائه للسير بخيار مغاير لترشيح العماد عون لمنصب الرئاسة. وبين الرهانين، يبدو أن فترة الإنتظار ستكون طويلة...