معركة عرسال لم تنتهِ... هذا ما تخلُص إليه التقارير التي تحمل طابع السرية، والموضوعة على مكتب وزير الداخلية وقائد الجيش ورؤساء الأجهزة العسكرية والأمنية المعنية، وكلُّ ما يجري هو مجرَّد هدنة العسكريين المخطوفين، بمعنى أنَّ وجود المخطوفين بين أيدي تنظيم داعش وجبهة النصرة، هو الذي حتَّم وقفاً لإطلاق النار لتحديد مصير هؤلاء العسكريين ولبدء المفاوضات لإطلاقهم بعد وضع آلية لذلك وتحديد الشروط.

***

وما تتضمَّنه مصادر أمنية أنَّ المسلَّحين مازالوا على تخوم البلدة وفي مرتفعاتها، وظهورهم إلى العمق السوري، لذا فإنَّ تحرُّكاتهم في البلدة مازالت قائمة حيث ينزلون إليها ويتجولون فيها ثم يعودون إلى المرتفعات.

وما حدث أمس أكبر برهان على ذلك حيث وقعت اشتباكات بين الجيش والمسلحين اثر وقوع مجموعة من الجيش في كمين مسلح، ثم تحركت مجموعة أخرى حررت أربعة من الجيش، فيما فقد عنصرٌ واحد. هذه القضية فرضت نفسها على مجلس الوزراء الذي ناقش الملف بكل ابعاده الخطيرة، خصوصا ان الأرقام التي تم تداولها في مجلس الوزراء تحدثت عن آلاف من المسلحين الذين يرابضون على تخوم البلدة.

ويبدو أن الظروف قد نضجت لتبدأ معركة عرسال اثنين، كما ان هناك معارك فرعية تتمُّ بين الحين والآخر، وأحدثها أول من أمس حين صدَّ الجيش اللبناني هجوماً للمسلحين على موقع وادي حميد في منطقة عرسال. الهجوم كان يهدف، على ما يبدو إلى تطويق موقع الجيش لتسهيل التقدُّم مجدداً في إتجاه عرسال.

هذا في الظاهر، أما ما هو مَخفيّ فكان الأخطر حيث تقاطعت المعلومات على أنَّ الهجوم الذي وقع كان مجرد جسّ نبض لاختبار جهوزية الجيش، حماهم الله ضباطاً وأفراداً، وبناء عليه، هناك، كما ذكرنا آلاف من المسلحين في جهوزية لمحاولة أخذ عرسال كرهينة مجدداً.

***

إنطلاقاً من كلِّ هذه المعطيات، فإنَّ كلَّ التطورات في البلد رهنٌ بما ستؤول إليه الأمور في منطقة عرسال، هذا ينطبق على كلِّ الإستحقاقات من دون إستثناء:

- فلا إنتخابات رئاسية في المدى المنظور للأسف الشديد.

- ولا إنتخابات نيابية.

- وكلُّ الجهود والمحاولات تبقى جهوداً مشكورة ومحاولاتٍ جدّية، لكن الظروف هي أكبر من الإستحقاقات الداخلية.

والسؤال الذي يفرضُ نفسه في هذه المعمعة:

كيف سيرتِّب الناس أوضاعهم في ظلِّ هذه الأوضاع؟

إنطلاقاً من الواقعية التي بدأنا بها المقال، ومن عدم المغالاة في التفاؤل الفارغ والإيجابية غير المستندة إلى معطيات، فإننا مباشرةً نقول:

أعان الله شعب لبنان الذي عليه أن يُقلع شوكه بيديه، والأشواك في هذه الأيام كثيرة وستزداد.

مأساة اللبناني أنَّه عليه أن يملأ كلَّ شيء، فيما الفراغ يطغى على كلِّ شيء.

***

الواقعية تفترض الجهر بهذا الواقع وهذه الحقيقة، لا الظروف الدولية ولا الظروف الإقليمية ولا الظروف الداخلية ولا حتى الظروف المناخية:

على المستوى الدولي فإن العالم يهتمُّ بأربيل وعدم سقوطها، لأنَّ المصالح الأميركية فيها تُقاس بآلاف المليارات، وبالتالي لا أولوية تعلو فوق هذه الأولوية.

وعلى المستوى الإقليمي فإنَّ الإنشغال يتركَّز على ما بعد حرب غزة، أما داخلياً فحدِّث ولا حرج...