من حيث الشكل، يقود "التيار الوطني الحرّ" مسألة المطالبة بإجراء الإنتخابات النيابية في موعدها وحتى ولو بقانون الدورة السابقة، بينما يقود "تيّار المستقبل" مسألة الترويج لعدم إمكان إجراء الإنتخابات في ظلّ الظروف الراهنة. فعلى ماذا يُراهن كل من الطرفين؟

بالنسبة إلى "التيّار الوطني الحرّ"، فهو كان في الماضي قد هلّل لإقرار قانون الستّين المُعدّل، قبل أن يعود وينتقده بشدّة في مرحلة لاحقة، خاصة وأنّ نتائج إنتخابات العام 2009 لم تكن بقدر الطموحات والرهانات، على الرغم من الحصّة الكبيرة التي حصدها "التيّار". ويمكن إختصار أبرز الأسباب التي تدفعه إلى المطالبة مُجدّداً بإجراء الإنتخابات في موعدها، علماً أنّه يُدرك تماماً إستحالة إعتماد قانون جديد، بالتالي:

أوّلاً: يُراهن "التيّار" على أنّ تحالفه مع "حزب الله" الذي أدّى إلى خسارته جزءاً من الأصوات المسيحيّة في إنتخابات العام 2009، سيرفع هذه المرّة من أصوات المسيحيّين المؤيّدين للوائحه ولمرشّحيه، في ظلّ "الهجمة التكفيريّة" في المنطقة، خاصة أنّ "الماكينة" الإعلامية للتيار وللحلفاء تعمل جاهدة على تحميل أطراف مُحدّدة مسؤولية هذا الخطر، وفي تسويق "الحزب" كمدافع عن كل اللبنانيّين بما فيهم المسيحيّين. وبالتالي يُراهن "التيّار" على أنّ التوقيت مثالي للإنقضاض على خصومه المسيحيّين المُربكين من الوضع، بحسب تقديراته.

ثانياً: يُراهن "التيّار الوطني الحرّ" على ضعف "تيّار المستقبل" في المرحلة الحالية، نتيجة غياب رئيسه المستمر منذ سنوات، وبفعل فشل رهانه على إسقاط حُكم الرئيس السوري بشّار الأسد، وكذلك بفعل إستدراجه إلى موقع المُواجهة مع التيّارات الإسلامية الأصوليّة، الأمر الذي أدّى إلى تراجع شعبيّة "المستقبل" في غير مكان، بحسب تقديرات "التيار". ومن شأن ذلك، أن يُضعف قدرة "المستقبل" التجييرية لصالح القوى المسيحيّة المُتحالفة معه، وأن يُؤدّي إلى إرتفاع حظوظ منافسي "المستقبل" داخل ساحته السنّية، من المنضوين ضمن تحالف قوى "8 آذار". وبالتالي يُراهن "التيار الوطني الحرّ" على أنّ التوقيت مثالي لإضعاف "كتلة لبنان أوّلاً" ولرفع عدد نوّاب تحالف "8 آذار".

ثالثاً: يُراهن "التيّار" على أنّه حتى في حال عدم تنظيم الإنتخابات، فإنّه سيظهر مرّة جديدة في موقع الرافض للتمديد للنوّاب، والمحافظ على القوانين والمهل الدستورية والمدافع عن الديمقراطية، في مقابل ظهور خصومه بموقع المتردّد والمربك والخائف من الإنتخابات والمهرول للتمديد. أكثر من ذلك، حتى في حال الفشل في إجراء الإنتخابات، والفشل في إقرار التمديد، يراهن "التيّار" على أنّ عقد أيّ مؤتمر للحلّ، وللعودة إلى المسارين الدستوري والديمقراطي في لبنان، سيمرّ حتماً بتعديلات دستورية سيعمل لأن تكون لصالحه لجهة هدف الوصول إلى رئاسة الجمهورية ولجهة إقرار قانون جديد للإنتخابات يناسب توزيع شعبيته وتحالفاته.

وبالتالي، وبحسب رهانات "التيّار" كل الخيارات المطروحة تصبّ لصالحه، إن لجهة رفع عدد نوابه على حساب إضعاف خصومه المسيحيّين، ورفع عدد نواب قوى "8 آذار" على حساب منافسيهم في قوى "14 آذار"، أو لجهة فرض مؤتمر تأسيسي يتمّ خلاله تمرير قوانين إنتخابية نيابية ورئاسية تفيد "التيار الوطني الحرّ" وتُعزّز فرص خطّته للوصول إلى الرئاسة ولأكبر قدر ممكن من المقاعد النيابية.

في المقابل، يجهد "تيّار المُستقبل" لعرقلة خطّة "التيار الوطني الحرّ" بدءاً بالتمسّك برفض إجراء الإنتخابات النيابيّة قبل الإنتخابات الرئاسية، لعلمه المُسبق أنّ "الجنرال" لن يقبل بتنظيم أيّ إنتخابات حالياً لا توصله إلى سدّة الرئاسة، مروراً بالضغط على حلفائه لمجاراته في هذا الرفض وعدم الإنجرار إلى خطة عون الهادفة إلى فرض أمر واقع إنتخابي، وصولاً إلى التفاوض مع رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي لتمرير تسوية تقضي بالتمديد للمجلس النيابي في مقابل تمرير سلسلة من المشاريع العالقة منذ مدّة، نتيجة رفض قوى "14 آذار" قيام المجلس النيابي بأي عمل تشريعي في ظلّ كونه هيئة ناخبة. ويُدرك "تيّار المستقبل" أنّ الوقت الحالي ليس مثالياً لإجراء إنتخابات نيابية، كون المعركة ستنحصر في المناطق ذات الأغلبيّة الشعبيّة المسيحيّة، وفي بعض مناطق نفوذه. وأولى الدلائل على ذلك فوز 9 نوّاب من كتلتي "حزب الله" و"حركة أمل" بالتزكية من اليوم، بينما سيُواجه الكثير من النواّب في فريق "14 آذار" وضعاً ضاغطاً، مع الإشارة إلى أنّ حزب "القوات اللبنانيّة" يتوقّع أن يتمّ سداد تسليفاته السابقة لتيّار المستقبل في أكثر من محطّة في السنوات القليلة الماضية، عبر إفساح المجال له للترشّح في أكثر من دائرة، علماً أنّ شهيّة حزب "الكتائب اللبنانية" المفتوحة، شأنه شأن العديد من المرشّحين المسيحيّين المستقلّين، تَعكس صعوبة في التوصّل سريعاً إلى إتفاقات لتنسيق المعركة الإنتخابية، بعكس وضع فريق "8 آذار" الذي يُحرّكه "مايسترو" واحد يُجيد لعبة التنظيم وتوزيع الأدوار هو "حزب الله". أكثر من ذلك، لا يزال "تيار المستقبل" يعتقد أنّ المعركة في سوريا، ستؤول في نهاية المطاف، لصالح قناعاته وتحالفاته، خاصة في ظلّ ما سيطرأ عليها من تحوّلات منتظرة مع توسّع مستوى التدخّل الإقليمي والدولي فيها، ما يجعله يُفضّل مسألة التمديد على أمل أن يحمل المُستقبل تحوّلات لصالحه.

في الختام، الأكيد أنّ العمل قائم لتمرير تسوية تقضي بإقرار مبدأ إرجاء الإنتخابات النيابية في مقابل إقرار العديد من مشاريع القوانين العالقة في المجلس النيابي. وفي حال الفشل في التوصّل إلى هذه الصفقة، نتيجة حفلة المزايدات المستمرة، وفي ظلّ التضارب الكبير في المصالح، الخوف كل الخوف من عدم حصول الإنتخابات بفعل مقاطعة "تيار المستقبل"، وعدم إقرار التمديد للمجلس دستورياً بحكم معارضة "التيار الوطني الحرّ"، وعندها نقع في فراغ دستوري شامل وخطير ينسحب على موقع رئاسة الجمهورية وعلى المجلس النيابي ككل، ما يُحتّم عندها إنعقاد مؤتمر تأسيسي كطريق وحيد للحل أو لمحاولة الحلّّّ! فهل سيُجاري "حزب الله" حليفه "العوني" بهذا الرهان غير المضمون النتائج، وهل هو من يعمل له من خلف الكواليس؟ وحده تمرير صفقة التمديد في مقابل بعض القوانين في الأيام والأسابيع القليلة المقبلة يُثبت العكس!