رغم الإيجابية التي يعبّر عنها بعض أركانه بالعلن، لا يثق "محور المقاومة" بالولايات المتحدة وحلفائها، ولا يرى أن من صنع الإرهاب، على مدى سنوات طويلة، راغب في القضاء عليه اليوم، حتى ولو أعلن ذلك ليلاً نهاراً.

بالنسبة إلى هذا المحور، ليس هناك من نية حقيقية لمحاربة "داعش"، فالمطلوب إستمرار النار مشتعلة في المنطقة أطول مدة ممكنة، لتشتيت القوى الفاعلة كي تبقى إسرائيل القوّة الأعظم، ومن هذا المنطلق ما يجري ليس أكثر من حرب إستنزاف لن تنتهي في وقت قصير.

أميركا لا تريد محاربة "داعش"

ينطلق المحلل الإستراتيجي العميد الركن المتقاعد ​أمين حطيط​ من تصريحات المسؤولين الأميركيين، ليؤكد أن واشنطن لا تريد فعلياً محاربة "داعش"، ويشير إلى أنّ هؤلاء أعلنوا صراحة أنّ الضربات الجوية التي تعتزم بلادهم اللجوء اليها ستكون مكررة ومستمرة وليست بأسلوب الصدمة والرعب، في حين أكد الرئيس بارك أوباما أنّ الحرب تستلزم وقتاً أقلّه 3 سنوات و أنه سيسلم المهمة إلى خلفه الذي لا يظنّ أنه سينهيها.

ويلفت حطيط، عبر "النشرة"، إلى أن السؤال الأبرز الذي يُطرَح على هذا الصعيد، هو عن كيفية سعي الولايات المتحدة إلى محاربة الإرهاب في العراق والتغاضي عنه في سوريا، ويرى أنّ "داعش" ليست أكثر من ذريعة يريد من خلالها المحور الآخر تحقيق أهداف غير معلنة.

من جانبه، لا يبدو أستاذ العلاقات الدولية في جامعة دمشق بسام أبو عبد الله بعيداً عن هذا التوجه، هو يعتبر أن المواقف في الجانب الآخر ملتبسة إلى حد بعيد، ويلفت إلى أن الملفات تنعكس على بعضها، مع وجود تناقض كبير وتضعضع بين أركان الحلف الدولي الذي يتم الحديث عنه، ويضيف: "قد يكون هناك سعي لإعادة إنتاج الإرهاب بصورة جديدة".

بالنسبة إلى أبو عبدالله، لا يستطيع من صنع الإرهاب محاربته، وهو يشدد، في حديث لـ"النشرة"، على أن لا نية حقيقية في هذه الحرب، ويشير إلى أن الأميركي يعلن أنه لا يريد التنسيق مع القيادة السورية في حين هناك معلومات أخرى تؤكد العكس، ويسأل عن الهدف من تدريب ما يسمى بالقوى المعتدلة داخل المعارضة السورية.

حرب إستنزاف طويلة محورها عدم الإستقرار

لا تبدو الأمور ملتبسة داخل هذا المحور، رغم العنوان الكبير الذي تدور فيه الولايات المتحدة حول العالم، الخطة "المعادية" مكشوفة، والمقابل لها جاهز، وسيكون الرد حاسماً وسريعاً، فهنا الجميع يدرك أن الدول تبحث عن مصالحها، وهي حكماً ليست عبارة عن جمعيات خيرية، والتعامل معها يتم دبلوماسياً وعسكرياً.

أهم ما حصل هو عدم الوقوع في الفخ الأميركي، هذا ما يؤكد عليه حطيط، الذي يجزم بأن الجميع يدرك أن الولايات المتحدة تريد قيادة حرب إستنزاف، ومحور المقاومة يسعى إلى إستثمار الإنجازات التي تحققت في الفترة الأخيرة.

وعلى هذا الأساس، يشير حطيط إلى أن الأولويات وضعت بحسم أي معركة يتم الدخول فيها، كما حصل في القصير على سبيل المثال، والتوجه إلى المواطن الأساسية وعدم التلهي بالفرعيات، بالإضافة إلى الإهتمام بالجانب النفسي لهذه الحرب، ويؤكد أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة عدم إستقرار، خصوصاً أن الأميركي يريد أن تبقى النار مشتعلة من دون أن يؤدي ذلك إلى الإنفجار الشامل.

من جانبه، يشير أبو عبدالله إلى أن قيادات هذا المحور نجحت في التعاطي الإعلامي والدبلوماسي مع هذه المعركة، فدمشق أكدت أنها على إستعداد للتعاون مع أي جهود لمحاربة الإرهاب تحت سقف الأمم المتحدة، في حين لم تغلق طهران الأبواب رغم قولها أن هناك أهدافاً غير معلنة، أما موسكو فتريد طرح الموضوع على مجلس الأمن من أجل إحراج داعمي الإرهاب من حلفاء أميركا.

في الاطار عينه يكشف أبو عبد الله عن إستعدادات على الصعيد العسكري، فالجيش السوري حصل مؤخراً على أسلحة متطورة، ويرى أن ما يحصل على الصعيد العالمي يؤكد أن التحالف المقابل غير متماسك، ويرى أن هدف الولايات المتحدة الدخول في حرب إستنزاف تستهدف كل قوى المقاومة، ستسعى من خلالها إلى خلق مناطق عازلة على الحدود الفلسطينية والتركية والأردنية، لكنه يشدد على أنها لن تنجح في تحقيق ذلك.

في المحصلة، ليس هناك ما يؤشر لعودة الإستقرار إلى المنطقة في وقت قريب، والأمور متجهة إلى ما يشبه الحرب الباردة المصغّرة، حيث ستسعى كل جهة إلى فرض إحترام مصالحها على الجانب الآخر، بغض النظر عن العناوين الكبيرة التي سترفع من قبل الجميع، فأغلب الحروب التي عرفها العالم كانت ذات أهداف إنسانية أو حقوقية تخفي خلفها لعبة مصالح.