في مؤتمرات ما كان يسمى "أصدقاء سورية"، والتي كانت تقودها ناظرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، كان ثمة كثير من الكلام في هذه المؤتمرات الاستعراضية عن دعم ما يسمى "المعارضة السورية المعتدلة".

فعلاً، وتحت عنوان هذه الوصفة المشبوهة كانت الولايات المتحدة وبائعو الكاز العربي، مع "السلطان" التركي، يركّبون التحالفات للمجموعات والتنظيمات الإرهابية، ويمدّونها بالسلاح والمال، ويقيمون لها معسكرات التدريب، ويوفّرون لها في مختلف الأمكنة والعناصر الإجرامية لترتكب أشد أعمال القتل فظاعة، ولتقوم بأعمال التخريب والتدمير والنهب والسرقة.

وعليه، أفرجت السعودية عن السجناء الخطيرين المحكومين بالإعدام بالمقصلة، ودار القطريون في الباكستان وافغانستان والقوقاز يجنّدون بمبالغ خيالية المجرمين ليمارسوا الفظائع في بلاد الأمويين، وغضّ الأوروبيون عيونهم وأقفلوا آذانهم عن عمليات الحشد في عواصمهم ومدنهم لـ"الجهاد" في سورية والعراق، فجاء إلى منطقتنا كل حراس البارات الليلية، و"مجاهدات النكاح"، وكان بينهم المئات من عناصر الموساد والمخابرات الغربية والخبراء، الذين كان من ضمن أدوارهم سرقة ونهب المكنوزات التاريخية التي تزخر بها بلاد الشام والرافدين.

الأميركيون والغرب ومعهم بائعو الكاز العربي استحضروا إلى سورية والعراق - كما في ليبيا وكما كانوا يريدون ومازالوا في مصر - كل تاريخ الغرب الدموي والفظيع، وفوقه استحضروا تاريخنا الدموي.. تذكّروا كيف تناول أبو العباس السفاح طعامه فوق جثث ما تبقّى من أمراء بني أمية، وكيف نُبشت القبور، واستحضروا ما فعل يزيد بالحسين؛ ابن بنت رسول الله وأهل بيته، ولم ينسوا أيضاً أن ابن المقفع قُطِّع إرباً إرباً وهو حيّ، وكانت كل قطعة منه تُرمى في التنور.

الأميركي والأوروبي لا يختلفان بتاتاً؛ الأميركيون - وهم من أوروبا أصلاً - أبادوا شعوب قارة ما وراء المحيطات الذين كانوا يسمونهم الهنود الحمر، والأوروبيون هم من أشعل الحربين العالميتين الأولى والثانية، وفيها تمّ فناء ما يزيد عن مئة مليون بشري، دون أن ننسى على مرّ التاريخ حروبهم الدموية فيما بينهم.

هؤلاء الأوروبيون، وخصوصاً البريطانيون منهم، ثم الأميركيون من بعدهم، وتحديداً بعد الحرب العالمية الثانية، صنعوا لنا دُولاً وحكاماً افتراضيين، جعلوها متخلفة مستهلكة، ومنعونا من أن نكون بعضاً قليلاً من اليابان التي هزمتها أميركا في الحرب العالمية الثانية بقنبلتين ذريتين، وحتى بعضاً من سنغافورة؛ الدولة التي تُدهش بتقدمها الاقتصادي والصناعي، دون أن نشير إلى كوريا الجنوبية، وحتى إلى كوريا الشمالية المنهكة والمحاصَرة، لكنها تخيف الإمبراطورية الأميركية بصواريخها الذرية العابرة للمحيطات.

يا للهول.. بل يا للمهزلة، باراك أوباما يعترف بعظمة لسانه بسوء تقدير المخابرات الأميركية لقوة "داعش"!

من يصدق هذا الكلام؟

مدير مخابرات السيد الأسود في البيت الأبيض السابق؛ دايفيد بترايوس، كان بالاتفاق مع قطر والسعودية وتركيا يوزعون الأدوار.

كثيرة الاعترافات والوقائع والوثائق التي تؤكد أن الدوحة قدّمت الرعاية الكاملة لـ"القاعدة"، وعناصر هامة منها عملت وتعمل في الحرس الأميري، ويكفي هنا أن نشير إلى أكاذيب "الجزيرة" وفبركاتها، ودورها لصالح الإرهاب التكفيري، وكيف عملت وحشدت وشغّلت "الإخوان المسلمين" في عمليات التعبئة والحشد، والتي تتجسد بأوضح صورها بدور تركيا وسلطانها رجب طيب أردوغان، الذي تمكّن من الجمع بين "جبهة النصرة" أولاً، ثم "داعش" ثانياً، و"الإخوان".

هكذا بـ"قدرة قادر" أميركي، وبنمط الثعلب البريطاني الذي يعرف منطقتنا جيداً، وبتمويل من بائعي الكاز العربي، وبانجرار أتباعهم الصغار والكبار من الأردن إلى لبنان وما فيه من مخيمات، إلى تركيا التي وفّرت كل أشكال التدريب والدعم والتغطية.. ودائماً دائماً في أول الصف الكيان الصهيوني كانت شباك تدمير بلاد الشام تحاك.

ربما كان ضرورياً هنا أن نشير إلى أنه في القرن التاسع عشر هجم عبد الرحمن آل سعود على المسجد النبوي، وسرق من الحجرة النبوية الشريفة نفائس نادرة، ولم تستطع السلطنة العثمانية يومها تأديبه، فتولى محمد علي باشا المصري المهمة.

ماذا بعد؟

الدول الافتراضية في الخليج، بدءاً من السعودية وانتهاء بالبحرين، مروراً طبعاً بقطر، لا نظن انها مثال في الشورى حتى لا نقول الديمقراطية... فهل تمتعتم بمشاهد الطيارين الخليجيين يقصفون "داعش" في الرقة والموصل؟

تباً لهذا الكذب، الأساطيل الجوية الأميركة شنّت مئات آلاف الغارات على "طالبان" في أفغانستان.. لكن هل قضت عليها؟

ثمة حقيقة واحدة؛ أن الهدف هو تحقيق التلمود ليس إلا، التلمود الذي يتحدث عن خراب دمشق.. ودمار مصر.. لكن ثمة إرادة ما زالت حية في هذه الأمة، لأن "لله رجالاً إذا أروادوا أراد".