انتصر الشعب اليمني على الإدارة الخارجية للأزمة اليمنية، واستطاعت القوى اليمنية توظيف تحالفاتها لخدمة الشعب من بوابة الشراكة الوطنية وحماية البلاد من السيطرة السعودية وإنهاء مرحلة التبعية لها.. لكن السؤال: ما هي تداعيات الإخفاق والفشل السعودي – الأميركي في اليمن؟

على الصعيد اليمني، أظهر الحراك الذي قادته حركة "أنصار الله" (الحوثيون) بالشراكة مع "الحراك الجنوبي" و"المؤتمر الشعبي العام" بقيادة علي عبدالله صالح وبقية القبائل الحوثية، توحُّد الشمال والجنوب ضد الهيمنة السعودية، بسبب تقاطع المصالح بين الأطراف الثلاث، فالحراك الجنوبي يريد استعادة ما خسره بعد توحيد اليمن، أو على الأقل تأمين الشراكة الفعلية في السلطة، وعلي صالح يريد الانتقام من السعودية التي أبعدته عن السلطة، ولم يحمه الأميركي إلا من القتل، مع أنهم حاولوا اغتياله، أما "أنصار الله" فإنهم بعد إنهاء حكم الأئمة في اليمن عام 1962، وإبعادهم عن السلطة وحصارهم وإشتعال ستة حروب بينهم والنظام، خصوصاً نظام علي صالح، فإنهم يريدون العودة إلى السلطة عبر الشراكة وليس الاحتكار، مستفيدين من تجربة "الإخوان المسلمين" في مصر وتونس، الذين سقطوا في فخ إلغاء الآخرين.

إن طرح المطالب الشعبية الاقتصادية والإجتماعية كعمود فقري للتحرك كان ذكياً، ساهم في التأييد الشعبي للثورة الثانية، وتحييد بعض القوى عن مواجهة هذا التحرك، بسبب ما يعاني منه الشعب اليمني من فقر وحرمان وفساد في السلطة، واحتكار بعض القبائل (آل الأحمر) أو الشخصيات، وما يعانيه من إرهاب "القاعدة" في اليمن.

لذا، فإن أي سلطة ستؤسَّس في اليمن لن تكون بيد فئة واحدة، بل شراكة وطنية شاملة.

خسارة اليمن أصابت السعودية بخنجر يمني في الخاصرة الممتدة جغرافياً من الحدود اليمنية والسعودية إلى الطائف، ويمكن في لحظة ما أن يطرح "الحوثيون" استرجاع الأراضي التي أخذها السعوديون وتنازل علي عبدالله صالح عام 2000 لصالح السعودية، فهل ستطرح السلطة الجديدة قضية الأراضي اليمنية المصادَرة من السعودية؟

أما على الصعيد الأميركي، فإن تحالف "أنصار الله" مع الحراك الجنوبي يجعل مضيق باب المندب وخليج عدن والعبور إلى البحر الأحمر خارج السيطرة الأميركية - السعودية، ويضيف ورقة قوية جديدة إلى أوراق القوة لمحور الممانعة والمقاومة، الذي تؤيده روسيا، تضاف إلى مضيق هرمز ضمن حرب السيطرة على المضائق الأربعة (هرمز وجبل طارق والبوسفور وباب المندب)، التي تعتبر منافذ تصدير النفط من الشرق الأوسط للعالم، فإذا سيطرت أميركا على بلدان النفط، يمكن للتحالف المضاد أن يتحكم ويمنع هذه الصادرات النفطية من الخروج.

أما على الصعيد "الإسرائيلي"، فبعد سيطرة العدو على الجزيرة التابعة للسعودية على بوابة البحر الأحمر، لتأمين الغطاء الأمني "الإسرائيلي"، فإن سيطرة إحدى قوى المقاومة اليمنية على باب المندب سيُجهض المحاولة "الإسرائيلية" الاستباقية على مستوى الأمن، ويضيف إلى الهموم "الإسرائيلية" هماً جديداً، ويؤمّن طريقاً جديداً لدعم المقاومة في فلسطين لخرق الحصار.

الحرب الشاملة التي تخوضها أميركا لبناء "الشرق الأوسط الجديد" تمّ إجهاض أحد معاركها على الساحة اليمنية، وخسرت أميركا هذه الورقة، ولم تعد الوحيدة التي تمسك بها عبر السعودية وحلفائها اليمنيين، بل صارت ساحة مشتركة لا يمكن مقايضتها أميركياً بساحة أخرى، سواء كان في سورية أو العراق، وبالتالي صارت قضية التسويات على مستوى المنطقة كرقعة شطرنج كاملة، بل لا بد من إنهاء "الفوضى البناءة" التي أشعلتها أميركا، ولذا فإن قيادة المحوريْن المتصارعيْن تخوض المعارك المتعددة على ساحة كبرى اسمها "الشرق الأوسط"، ويمكن أن تمدد خارج الإقليم.. لكن السؤال: هل سيبقى محور المقاومة والممانعة في مرحلة الدفاع دون استعمال وسائل الهجوم المتاحة؟ الجواب يكمن في الحراك اليمني لـ"أنصار الله"، الذي أعلن بدء الهجوم المعاكس أو استعراض للقوة بالقدرة على الهجوم في جهات متعددة، بالتلازم مع ردات الفعل العكسية للقوى التكفيرية، التي ستثأر داخل أوروبا وأميركا من أسيادها الذين يريدون تأديبها وإعادة تموضعها عبر التحالف الدولي، وستكون دول الخليج، خصوصاً السعودية، في مقدمة الساحات التي ستدفع ثمن الانتقام التكفيري، ثم فرنسا، وتالياً أوروبا، وتبقى أميركا مطمئنة، تنصّب نفسها من جديد قائدة للعالم باسم مقاومة الإرهاب الذي صنعته وتستعمله لإسقاط أعدائها وفرض سيطرتها.