لقد دخلت تطورات الأحداث في سوريا والمنطقة مرحلة جديدة بفعل الهجوم الشامل الذي يشنه إرهابيو "داعش" على مدينة ​كوباني​ الواقعة في هذا البلد، وفي المقابل فإن شجاعة وصمود قوات الحماية الشعبية الكردية قد غيرت إلى حد ما معادلات "داعش" ورعاتها الدوليين والإقليميين. إن نتاج المقاومة الشعبية، نزوح السكان، والأجساد التي نشاهدها في مختلف مناطق مدينة كوباني والقرى المحيطة بها، تؤلم كلّ إنسان مُنصفٍ وحر. إنّ جرائم "داعش" في المنطقة بدءًا من العراق وسوريا ووصولاً إلى كوباني هذه الأيام هي جرائم إبادة جماعية لم يلتفت إليها بشكل جاد دعاة حقوق الإنسان والديمقراطية.

يمكن القول أن كوباني قد أصبحت ضحية لمؤامرة أصدقائها، أعدائها وجيرانها، فهناك بعض المنتفعين الذين يسعون إلى بسط نفوذهم في المنطقة، والحكومة التركية لم تتمكن من نسيان عدائها للأكراد منذ قديم الزمان وحتى الآن، وهي الآن تتجاهل كلّ هذه المذابح للأكراد لدرجة تبدو معها وكأنها متواطئة مع "داعش". لا شكّ أيضًا أنّ جوازات سفر بعض القتلى من أعضاء "داعش" في كوباني تشتمل على ختم دولة تركيا، وهذا يثبت الإدعاء بكون تركيا متواطئة مع "داعش"، الأمر الذي قد يؤدي إلى تورط هذا البلد في وقت قريب. إنّ تركيا في حقيقة الأمر تنوي ضرب الأكراد في مقتل من خلال التضحية بكوباني وبعد سقوط الأكراد كلياً، ستدخل هي مقر حزب العمل الكردستاني. لقد أقدم كذلك مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان العراق باعتباره زعيماً كردياً على سد الطريق أمام دخول المعدات العسكرية والمواد التي يحتاجها أهالي مدينة كوباني، وكان ذلك بمثابة خطوة تضامنية مع الحكومة التركية.

إن تصريحات "عصمت الشيخ" زعيم قوات الحماية الكردية في مدينة كوباني تثير الضيق والألم الشديد، حيث يقول في أحد المواضع: "يمتلك إرهابيو داعش جميع أنواع المعدات العسكرية، الأسلحة، الدبابات، وجميع أنواع الصواريخ والمدرعات، في حين يواجه المقاومون من الأكراد الدبابات ومدافع الهاون بالأسلحة الخفيفة. لقد أغلق مسعود بارزاني الطريق أمام المساعدات القادمة لكوباني، وامتنع هو بدوره عن ارسال الأسلحة والمساعدات لها".

مع اشتعال حدة الصراع وازدياد جرائم إرهابيي "داعش" ضد أهالي كوباني، أصدر مسعود بارزاني بياناً ناشد فيه المحافل الدولية بالتدخل في كوباني والتصدي لاستمرار جرائم داعش. إن هذه الخطوة التي أقدم عليها بارزاني تبدو مضحكة، فلو أن بارزاني يدعم أكراد سوريا كما يدعي؛ لتوجب عليه دعمهم منذ زمن بعيد، لا أن يغلق حدود إقليم كردستان ويشيع الخلافات والانقسامات بين المجموعات الكردية في منطقة كردستان سوريا؛ لتحقيق أهدافه في هذه المنطقة.

إن المحزن والمؤسف في الأمر هم النازحون من أهالي كوباني، هؤلاء الذين طردتهم الحكومة التركية وطردهم أيضاً مسعود بارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان العراق. هؤلاء النازحون مجهولو المصير، الذين سيساقون -أغلب الظن- إلى الموت في الجبال جوعاً وعطشاً؛ بعيداً عن منازلهم وديارهم، كما حدث للأيزيديين العراقيين.

إنني أتوجه بالحديث إلى مسعود بارزاني، فهناك أسئلة يجب أن تطرح في هذا الشأن. أليس الأشخاص الذين أتوا اليوم لمحاربة كوباني هم أصدقاء الأمس بالنسبة لبارزاني؟! ألم ينسق إرهابيو داعش مع الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي في هجومهم على الموصل ومحافظات العراق الغربية؛ حتى أنهم لم يطلقوا عليهم رصاصة واحدة؟! ألم يغمض بارزاني عينيه أمام جرائم داعش توافقاً مع مساعي تركيا، والسعودية وأميركا لاستقلال كردستان عن حكومة العراق المركزية؟! أليس أصدقاء الأمس لبارزاني هم من يضحون اليوم بكوباني؟! إن على بارزاني أن يقدم على خطوة عملية تكون أكبر من مجرد اصدار بيان وإلا فإن أي جهود بعد سقوط كوباني ستكون غير مبررة. كيف يستطيع بارزاني مشاهدة صور النساء والرجال الذين يحملون السلاح ويذهبون لمحاربة عدو متوحش ودموي بأقل الإمكانات، وقد تلطخت شوارع كوباني بدمائهم الطاهرة؟!

ينتظر البعض هجمات الائتلاف ضد "داعش"؛ في مواجهة هجومهم الإرهابي المتوحش على كوباني، تلك الهجمات التي لم تتم في الوقت المناسب، ولم تكبد "داعش" خسائر تذكر. إن رد الفعل الذي اتخذه الأكراد الإيرانيون؛ كان من وجهة نظري أفضل كثيراً، فهم قد قاموا بمظاهرات ونظموا مسيرات واحتجوا على جرائم "داعش" في كوباني.

على شعوب المنطقة أن تعلم بأن مقاومة رجال كوباني البواسل ونساءها الأبطال هم رمز للمقاومة بالحد الأدنى من الإمكانات، في مقابل الحد الأقصى من التخريب من قبل البعض ممن يصطلح عليهم بأنهم شركاء الوطن. إننا سنثبت ولن نسمح بأن يتحقق حلم مسعود بارزاني وأصدقائه فيما يخص كوباني.

إنني لا أعلم شيئاً عن كيفية اتصال إرهابيي "داعش" بالحكومة التركية، لكني أعلم أنهما قد اتفقا سوياً على عدم تدخل تركيا في مواجهة هجوم "داعش" على كوباني، فهذه الحكومة قد أغلقت حدودها أمام النازحين ولم تسمح لهم بدخول الأراضي التركية على رغم تصريحها بدعم النازحين من مدينة كوباني. إن جرحى "داعش" يعالجون الآن في المستشفيات التركية، وبعضهم يحملون ختم تركيا على جوازات سفرهم. لقد ابتعد الجيش التركي عن الحدود أثناء الهجوم على مدينة كوباني، وكل ذلك يدلل على تعاون تركيا مع "داعش". إنّ تعامل حرس الحدود التركي مع النازحين من مدينة كوباني يؤلم كل حر.

ربما تدفع كوباني وأكراد سوريا ثمن عدم محاربتهم (الرئيس السوري) بشار الأسد. لكن على بارزاني وتركيا أن يعلما أننا قد استطعنا أن نأخذ حقوقنا من بشار الأسد وهذا يعد انجازاً كبيراً بالنسبة لنا. قد تكون تركيا قلقة بهذا الشأن، لكن السبب الذي دفع بارزاني إلى التعاون معهم هو ما يحتاج حقاً إلى الكثير من التأمل. يا ليت الحديث عن تواطؤ زعماء كردستان العراق مع تركيا وداعمي "داعش" في ما يخص كوباني يكون كذباً!

هناك أسئلة تدور في ذهن كل مواطن كردي؛ والإجابة عليها هي أقل دواء يمكن أن يخفف من آلامهم وجراحهم. مسعود بارزاني؛ رئيس حكومة إقليم كردستان والذي يحلم بزعامة الأكراد في المنطقة، وكان يرغب في جمع جميع الأكراد جنباً إلى جنب من خلال إقامة مؤتمر وطنى للأكراد، لماذا لا يتخذ الآن أي خطوة ولا يبدي أيّ احتجاج ضد جرائم "داعش" في كوباني؟! لماذا اتحد في مساره مع أميركا وتركيا والسعودية وقطر وهم من أوجدوا إراهبيي "داعش" ودعموهم؟! لماذا يستغل دماء أهالي كوباني للوصول إلى أهدافه؟! إن ما قام به بارزاني سيسجل في ذاكرة التاريخ وستنقده الأجيال القادمة، وسرعان ما سيحفر في أذهان الأكراد والرأي العام كون مسعود بارزاني أكمل دائرة خيانته لكردستان سوريا بالتضحية بأهالي كوباني.

هل يعلم السيد بارزاني أن داعش قد استباحت أرواح وأعراض أهالي كوباني؟! فليعلم أيضاً أن الإرهابيين وداعميهم سوف يبيحون أرواح وأموال وأعراض أهالي كردستان العراق إن لزم الأمر وسوف يحاربونه هو أيضاً، وحينها لن يبقى لمسعود بارزانى سوى الحسرة والندم.