عادت الأمور إلى مجاريها في العلاقات التي تربط الدول العربية في الخليج وبالأخصّ دول ​مجلس التعاون الخليجي​ (السعودية، البحرين، الكويت، الامارات، قطر وعُمان). سريعة كانت مراحل العودة ولم تأخذ سوى إصدار بيانٍ سعودي في هذا الخصوص، رتّب الاوضاع وأرجع الساحة إلى ما كانت عليه قبل الخلاف الكبير الذي نشب بين قطر والسعودية (أيّدت الامارات والبحرين سياسة الرياض) حتى أنّ السفراء عادوا الى سفاراتهم كالمعتاد وكأن شيئاً لم يكن.

لكنّ شيئاً كان بالفعل ولا يمكن التغاضي عنه، وما حصل لا يغدو سوى "عبرة" يمكن الاستناد إليها في الحياة وهي أنها قادرة على التغلب على الحماس والاندفاع في أيّ زمان ومكان.

فبالنسبة الى السعودية وملكها عبد الله بن عبد العزيز، فقد تجاسر أمير قطر الشاب تميم بن حمد آل ثاني على مخالفة القاعدة الخليجية التي تعطي الريادة للسعودية في القرارات والسياسات الخارجية والتي تؤثر بطبيعة الحال على الجوّ العام في المنطقة بأسرها، وكان يجب عليه دفع الثمن.

في المقابل، غلبت حماسة الامير القطري على قراراته، وأبحر في رحلة ضبابية طلباً للاستقلالية، فنسج خيوطاً مع دول ومنظمات ومجموعات أقلقت الرياض فتحركت لـ"قمع" بوادر هذا التمرّد. ولم يحتمل الملك عبد الله فكرة أن يخرج قائد دولة خليجية عن المسار الموضوع، فوضع كلّ ما يملك من خبرة واتصالات ونفوذ، في سبيل الابقاء على المسار دون أيّ تغيير.

ووضع الملك السعودي خطة من سلسلة تحركات بدأت بالضغط الذي مورس "من أهل البيت" بسحب السفراء (السعودية، الامارات والبحرين)، والضغط الدبلوماسي والاعلامي حول الدور القطري في الدفاع والتنسيق عن المجموعات والمنظمات الارهابية، وإفشال كل تحرك له في المنطقة وهو ما أوجب ضخّ مزيد من الاموال.

وحرّك الملك عبد الله أيضاً الورقة المصرية لصالحه، وهي مهمة نظراً إلى ارتباطها الغربي ودورها في موضوع النزاع بين الفلسطينيين والاسرائيليين، فأوصل الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكم وقطع الهواء عن الاخوان المسلمين.

وشيئاً فشيئاً، وجد أمير قطر الشاب أنّ الخناق بدأ يضيق عليه، فحاول أن يلجأ إلى ورقة إيران، لكن خطته فشلت لأنّ طهران تدرك أنّ السعودية لا تزال، حتى الساعة، ممسكة بالقرار الخليجي ككلّ، ويهمّها أن تتعاطى خليجياً مع المصدر الرئيسي مباشرة، وهي تحمّلت في سبيل ذلك فترة متوترة مع الرياض شهدت صعوداً وهبوطاً حاداً في العلاقة، إنما دون أن تقطع الخيوط. كما اعتبرت إيران أنّ ردّ الفعل السعودي ضدها طبيعيّ، بسبب المحادثات المباشرة التي أجرتها الولايات المتحدة مع إيران من جهة، والتطورات التي يشهدها الملف النووي الايراني من جهة ثانية، وهما موضوعان لم يتمكن الملك السعودي من التأثير عليهما، علماً أنّ السعودية احتاطت من المحادثات الغربية مع إيران، وكانت تحركاتها هذه بمثابة صرخة لإسماع من يجب إسماعه أنّها موجودة بقوة على الساحة ويجب إدخالها في أيّ صفقة أو تسوية في المنطقة. ويرى البعض أنّ هذا الصراخ السعودي قد ينتج عنه، في حال التوصل إلى اتفاق بين الغرب وايران، إرضاء السعودي عبر الاعلان عن حصر نجاح المحادثات في الملف النووي، والتشجيع على محادثات مباشرة بين الرياض وطهران لتسوية أوضاع الخليج وترتيب شؤون المنطقة.

من ناحيته، لا شكّ أنّ الأمير القطري اعترف بالهزيمة ولعلّ المشهد الأكثر تعبيراً كان التزامه بالمسار المتبع لجهة طبعه قبلة على جبين الملك السعودي خلال الاجتماع الاستثنائي لمجلس التعاون الخليجي. ولكن، من المؤكد ايضاً أنّ عنفوان الشباب سينتفض لدى أمير قطر، وهو إن قَبِل مرغماً ما حصل، فهو سيعمد إلى تعويض ما ينقصه من خبرة لضمّها إلى الحماس ليحقق ما يصبو اليه، وهو يراهن بالطبع على عامل الوقت الذي يعتبره لصالحه إذ إنّ قادة الدول الخليجية الأخرى باتوا متقدمين في السنّ، وهو الأصغر بينهم وبالتالي، فإنّ الخلافة التي ستشهدها هذه الدول بعد فترة من الوقت قد تسفر عن سياسات مغايرة، سيحاول أن يجعلها مواتية له من أجل أن يكتب ربما مساراً خليجياً مغايراً للمسار الحالي، ومن أجل أن تصبح قطر خليفة السعودية في ريادة الدول الخليجية.

ولكن عامل الوقت يحتاج إلى صبر واستراتيجية مدروسة، وهو يحمل رهاناً على أمور قد لا تحصل، إلا أنه يبقى بالنسبة إلى قطر العامل الأهم في تحقيق التغيير المنشود وإطلاق يد أميرها في رسم خريطة سياسية جديدة للمنطقة.