بعد طول جفاء ومسافات مكانيّة وزمانية، سيحتاج نادر الحريري وحسين الخليل الى اعتماد سيناريو قد يصلح ليكون مشروع “سكريبت” لفيلم لبنانيٍّ طويل عنوانه: الحوار. أبسط ما في ذاك السيناريو أنه يبدأ بجلسة تعارف يقدّم فيها الحريري نفسه لخليل والعكس قبل أن يُطلقا صفّارة التودّد ويقرعا جرس فرصة العيد ويضربا موعدًا مع من سيشاركهما في جلسات السنة الجديدة.

قد يبدو ذاك السيناريو باهتًا بالنسبة الى حكاية تولد من جديد لكن ليس فعلاً في عمق رمزيّتها. يكفي أن يلتقي حزب الله و”المستقبل”، بعد فتورٍ كثيراً ما لامس حدود المواجهات من دون أن ينزلق اليها، لترتسم مشهديّة هدوءٍ نسبيٍّ سبقت عيد الميلاد راكنةً الى الاستعداد لمثل هذا الحوار الحتمي وستليه بعد إتمام كلّ شيءٍ في مطبخ عين التينة الذي سيكون شاهدًا طوال فترةٍ غير محدّدة سلفًا على نضوج أمرٍ ما غير مألوف على الساحة اللبنانية أو على بقاء الستاتيكو مع الاكتفاء بالتنعّم بفترة التنفيس المرجّح أن ترافق الجلسات الضيّقة والشاملة والأوقات المستقطعة بينها.

لا رئيس في الداخون

مع أن القصد من تعيين موعدٍ للقاء الطرفين بين العيدين -وأغلب الظنّ في التاسع والعشرين من الجاري- هو إرساء أجواءٍ متناغمة مع عبق الميلاد، إلا أنه لن يكون هناك أيُّ رئيس في داخون القصر الرئاسي يُقال أن الحوار المولود على غفلة أتى به في كيسٍ تشاطر الحريري والخليل حمله طوال الطريق من عين التينة الى بعبدا. فالعيدية التي تحدّث عنها “ناظر” اللقاء هي ليست سوى فكرة الجَمعة في عينها والتي تُعتبر هدية للبنانيين الباحثين عن عطلة أعياد هانئة أقله بلا مناكفاتٍ سياسيّة وتحريضاتٍ خطابيّة. ورغم أن بعض مواكبي الحوار يحاولون المناورة بتوسيع رقعة الملفات التي سيُبحث فيها إلا أن الشغور هو السبب المحفّز والنتيجة المبحوث عنها وفيها كخلاصةٍ لجلساتٍ عدّة يبدو أنها بدءًا من المرحلة الثانية مطلع رأس السنة ستكون موسّعة حدّ دفع برّي المضيف الى اختيار غرفة أكثر سِعة أو طاولة أكبر.

بسط السجّاد...

لا تخفي مصادر مواكبة للحوار إلماحها عبر “صدى البلد” الى أن “اللقاء الأول سيكون حكمًا أشبه ببسط السجاد تمهيدًا لمناقشاتٍ قد تكون عاصفة خصوصًا متى بدأت تلامس مسائل حسّاسة لا يتّفق عليها الطرفان لا بل هي سبب خلافهما الجوهري وعلى رأسها موقع لبنان من الأزمة السوريّة. علمًا أن مثل هذه الحدّة متوقّعة لا سيّما أن الحوار سيكون مفتوحًا وأشبه بغسل قلوبٍ ثنائيٍّ في بادئ الأمر قبل أن يتحوّل الى جلسة مصالحة عامّة ترخي بظلالها على البلد، وذلك لن يتحقّق إلا متى تمّ التماس مؤشرات إيجابيّة ولو قليلة من اللقاءات المحصورة الأولى بين حزب الله والمستقبل”.

لا تهوّر...

مديرُ مكتب ومعاون سياسي سيلتقيان بعد أيام ليضعا مجرّد خطوط عريضة لاجتماع مقبل يستهلان فيه مقاربة المواضيع بجديّة بلا خطوطٍ حمر. وحدها لعبة الأسماء المرشحة للموقع الأول قد تكون خطًا أحمر في المرحلة الأولى لا سيّما في ظلّ العهد الذي قطعه حزب الله على حليفه الماروني بألا يُسقِط اسمَه على غفلة في “جوجلة” المرشحين وبألا يأخذه الحياء الى موقعٍ قد يكون نهاية طريق “التفاهم” بينهما، خصوصًا أن العماد عون ما زال مصرًا على ما علمت “البلد” على اعتبار ترشيحه قائمًا وعلى البقاء في منأى عن اللعبة التوافقيّة التي انجرّ اليها الجميع تقريبًا بمن فيهم المرشّح الندّ سمير جعجع. وبالتالي، كلّ تلك الهواجس التي يحملها حزب الله معه، إضافة الى الإيعازات السعودية التي تحفر في أبناء “المستقبل”، ستدفع كلا الطرفين الى التعامل بحذرٍ كبير مع الشغور والاكتفاء بتحديد مواصفاتٍ ستنطبق على عون في نظر حزب الله كما ستنطبق على جعجع أو أي مرشح توافقي آخر في نظر “المستقبل”.

هذا هو الفهرس...

أما بعيدًا من الحكاية الرئاسيّة التي لن تكتب آخر فصولها لمجرّد لقاء ندّين فرّقهما الميدان السوري أولاً، فالفريقان -مدفوعين بهواجس الإرهاب التي تقرع أبوابهما على السواء- سيتعاملان بأريحيّة مع هذا الملفّ لجهة دعم الجيش اللبناني المُطلَق والتعهّد في بنودٍ خطيّة مذيلة بتوقيعيْهما بتلافي الخطابات التحريضيّة الكفيلة بتغذية التطرّف وإيقاظ الخلايا النائمة. وهنا سيكون الوزر أكبر على “المستقبل” لجهة كمّ بعض الأفواه المحسوبة عليه والتي لا تنفكّ تتنصّل من الخطابات التهدويّة التي يتبناها زعيمهم البعيد. كلّ تلك الحسابات لن “يوجِع” الطرفان رأسيهما بها في لقائهما الأول لجهة الغوص في تفاصيلها، ولكن كما في كلّ لقاء تعارفي تُبنى عليه لقاءاتٌ أخرى لا بدّ من وضع “الفهرس” قبل الجدول الزمني حتى. علمًا أن مفهوم “جدول الأعمال” يُسقِطه بعض المواكبين بذريعة أنه ضيّق على ما يُطمَح اليه من اللقاء وعلى ما يمكن أن ينبت فيه من أحاديث عفويّة وطارئة ومداخلات غير متوقّعة لا سيّما بعد توسيع بيكار المشاركين.

مصالحة عامة

ليس الحديث عن مصالحةٍ عامّة بعيدًا أو مستغربًا اليوم خصوصًا في ظلّ إصرار الكثيرين على ربط “فورة” الحوارات بعضها ببعض. فلقاء حزب الله-المستقبل سيكون نسخة تمهيديّة لحوارٍ يختمر في كواليس الرابية ومعراب. لقاء يبدأ ثنائيًا في بكركي أغلب الظن برعاية سيّدها ثمّ ينتقل الجميع بعده الى طاولة واحدة لم تُحدّد معالم موقعها الجغرافي بعد مع الحرص على أن يكون صرحًا جامعًا كالمصيطبة أو ربما عين التينة مجددًا. من هنا التعويل الكبير اليوم على نجاح لقاء حزب الله-المستقبل إذ يُنظَر اليه على أنه حجرٌ أول في بيت الحوار الوطني.

انتظار الرغيف

إذاً، قد يكون اللقاء المُنتظَر بحرارة انتظار الأطفال لسانتا كلوز، مجرّد ديكور ميلاديّ إضافي في قصر عين التينة. ولكن كيف ستكون لحظات اللقاء الأولى؟ هل ستشبه “ميتولوجيا” الحبّ من النظرة الأولى؟ الأكيد أن الخميرة موجودة في حكومة المصلحة الوطنية التي جمعت الفريقين في أحلك الظروف، وبالتالي لا يبقى أمامهما سوى وضع رغيف الحوار في فرن عين التينة والانتظار لرؤية جدوى رفوخه من عدمها... في الحالة الثانية فقط يكون الطحين من أساسه غير مطابق.