لا تحب «إسرائيل» أن تُنسينا أنها مُكّون إرهابي ولادة ومشروعاً ودوراً. أمام كل منعطف استراتيجي تستعيد صورتها الإرهابية الحقيقية التي تذكرنا بمجازر لا تُمحى من الذاكرة كدير ياسين وصبرا وشاتيلا وقانا وغيرها الكثير الذي يلقى رواجاً ودعماً من الحكومات الغربية وعلى رأسها أميركا. جريمة اغتيال المقاومين الأبطال في الجولان تبدو ناعمة الملمس أمام جرائم أكثر فظاعة وقسوة، ولكن في توقيتها ودلالاتها شدخ عظيم في التوازنات التي كانت يمكن أن تستقر عليها المنطقة قريباً عندما تقترب المفاوضات الإيرانية الأميركية من خواتيمها. «إسرائيل» أرادت أن تكسر المعادلات وتُحدث تحولاً في أولويات الصراع ولو كان ذلك على حساب أميركا نفسها. الوحل الدبق الذي وقعت فيه الحكومات «الإسرائيلية» في لبنان وأدى إلى استنزافها وفشلها في تثبيت قوة «الأسطورة الإسرائيلية»، تقع فيه اليوم في سورية. التي سيتحول فيها الجولان عما قريب إلى جنوب لبنان آخر. أما في الغرب الذي استفاق على عملية «شارلي إيبدو» فسياسته في مكافحة الإرهاب لن تحقق أبداً هدفها المعلن. لأن الفجوة بين النوايا والإجراءات واسعة. الواضح، أنّ سياسة الولايات المتحدة وحلفائها كانت مصممة على استنزاف المنطقة إلى أقصى حد، بل وجعلها منطقة منكوبة مهشمة خاوية على عروشها. الإرهاب لم يُقم حاجزاً اجتماعياً وثقافياً وإقليمياً بين الشرق والغرب فحسب، بل أدام الدعاية السلبية ضد العرب والمسلمين والتي بها تتم التدابير التقسيمية والممارسات العنصرية والعنف المقونن . في السؤال المشروع: لماذا عندما يضرب الإرهاب بلدان أوروبا وأميركا يهتز العالم بأسره وعندما يضرب الإرهاب بلدان الفقراء والمستضعفين وكأن ما يحصل هو في عوالم أخرى غير عالمنا؟

لماذا لا يتحرك العالم عندما يُقتل أكثر من مليون عراقي عبر الاحتلال الأميركي؟ لماذا لا يتحرك العالم عندما تُحتل أفغانستان وتأتي الجيوش الهمجية لتفتك بشعبها المسكين؟ لماذا لا يتحرك العالم ومنذ أكثر من نصف قرن يُقتل الفلسطينيون بوحشية وتُسرق منهم أرضهم وتلقى عليهم القنابل الفتاكة ويُسجن الآلاف من الأحرار وتُمارس كل أنواع العنصرية والاضطهاد؟ لماذا لا يتحرك العالم ويتظاهر كما تظاهر في باريس عندما وقعت مجازر صبرا وشاتيلا وقانا والمنصوري وسحمر والنبطية الفوقا؟ لماذا على الشعوب المستضعفة أن تدفع فاتورة كبرياء الدول الغنية والمتعالية؟ لماذا إنسانهم أفضل من إنساننا ونساؤهم أفضل من نسائنا؟ لماذا أطفالهم أفضل من أطفالنا؟

بمقتضى الإنسانية يجب أن يتساوى الجميع، وبمقتضى العدالة يجب أن تشعر كل شعوب الأرض بها، وبمقتضى حقوق الإنسان يجب أن يكون كل فرد محفوظاً بالكرامة. صحيح أننا ضد كل ممارسة إرهابية، ضد قتل الأبرياء، ضد ممارسة التمييز العنصري، لكن لا نقبل بأن يُساء إلى نبينا الأكرم، بأن تكون الحرية على حساب الأخلاق والدين. لا نقبل بأن يكون إسلامنا في معرض التزييف ونبينا في معرض الهتك.

إنّ على الغربيين أن يعرفوا أن ما يحصل في بلداننا من تمزق وفتن وحروب هو بسبب إرهاب الأنظمة الغربية الحاكمة وبفعل دعمها لمجموعات وحركات خارجة عن الإسلام. ما نقرأه أنّ هناك استغلالاً واضحاً للإرهاب في أوروبا لتبرير الفوضى والتدخلات الخارجية ولكي تستطيع «إسرائيل» أن توسع من إجراءات الاستيطان من دون حسيب أو رقيب ومن عدوانها وهمجيتها من دون أن يرف للعالم جفن!