شعرت أوروبا بالخطر الكبير من "داعش" بعد حادثة "تشارلي ايبدو"، التي شبّهها البعض بـ11 أيلول الفرنسي، كما أدركت أوروبا أنها أمام وضع جديد لا بد من العمل على مواجهته من خلال تنسيق الجهد بين دول الاتحاد الأوروبي، مخافة أن ينتشر في المجتمع الغربي فيشكل خطراً على أمنه واستقراره.

توجّهت الأنظار مجدداً نحو تركيا، لأنها المتهم الرئيس في دعم "داعش" واحتضانه منذ نشأته، بل هي نقطة الارتكاز لـ"داعش" والجماعات التكفيرية الأخرى، وهي من أنشأ معسكرات التدريب لهم، وسهّلت مرورهم عبر حدودها إلى سورية، وهي من اشترى النفط منهم من أجل تمويلهم ومدهم بالسلاح.

اتهم الغرب تركيا بأنها لا تتعاون معهم بما يكفي للقضاء على الإرهاب، وقد أشار "واين وايت"؛ الخبير الأميركي في شؤون المناطق التي تسيطر عليها "داعش"، إلى ذلك وقال إن تركيا لا تتعاون بتاتاً مع حلفائها، بل تعترض الجهود الرامية إلى هزيمة "داعش"، وفي حال عكست وجهتها فإن تنظيم "داعش" سينتهي، وهي لا تتقيد بالتزامات عضويتها في حلف شمال الأطلسي "الناتو".

كثرت الضغوط على تركيا لتكون أكثر تعاوناً في مواجهة "داعش"، فتوقّع مصدر دبلوماسي أن تشارك تركيا في اجتماع التحالف الدولي الذي سيُعقد في لندن، وتوقّف المراقبون عند هذه المشاركة إن حصلت، وسألوا: هل هذه المشاركة هي بداية التغيير في الموقف التركي الذي كان داعماً لـ"داعش"؟ وهل الأعمال الأمنية التي قام بها التكفيريون في تركيا جعلتها تتلمس خطرهم عليها؟ وهل اقتنعت بجدية أميركا والتحالف الدولي في ضرب الإرهاب التكفيري؟

قامت الحكومة التركية بجملة من الإجراءات التي تساعد في ضرب الإرهاب، فأعلنت أن "داعش" مجموعة إرهابية، وحذرت أجهزة الاستخبارات التركية مؤخراً من هجمات إرهابية محتمَلة ضد مصالح غربية، وأكد وزير الداخلية قيام تركيا بترحيل أكثر 1056 أجنبياً، ومنع أكثر من 7833 آخرين من دخول أراضيها.

ما قامت به تركيا لا يتعدى كونه مجموعة من الإجراءات البسيطة، فالأمور لا تزال على حالها، حيث يُلمس ذلك من تصريحات المسؤولين الذين يحتجون بطول الحدود مع سورية (510 أميال)، وعدم إمكانية إغلاقها وضبطها، وكلام أردوغان عن عدم جدية أميركا في مواجهة الإرهاب.

يعتبر أردوغان أن "داعش" ورقة رئيسة يستطيع من خلالها فرض نفسه كلاعب إقليمي مؤثر وفاعل في الأزمة السورية، وأنه إذا تخلى عن "داعش" فسيخسر هذا الدور الإقليمي، الذي سيجعل تركيا المرجعية الأولى للعالم الإسلامي.

طموح تركيا لقيادة العالم الإسلامي أمر مشروع، لكن لا بد أن يستند إلى أسس سليمة وأهداف نبيلة توصل الأمة العربية والإسلامية إلى شاطئ الأمان، وعلى رأس قائمة هذه الأهداف مواجهة الكيان الصهيوني الغاصب، وتحرير فلسطين، وتوحيد الامة، وعدم أخذها إلى الشحن المذهبي والطائفي والعرقي، الذي لا يبقي مكانة لدول المنطقة، كما لن تسلم منه تركيا وغيرها من الدول العربية.. فهل سيسير أردوغان ضمن هذا المشروع التوحيدي الذي يعيد إلى الأمة كرامتها وعزتها، ليستحق أن يكون المرجعية الصالحة لها، أم سيراهن على المجموعات التكفيرية من أجل تحقيق أطماعه الشخصية وإحياء الإرث بالسيطرة على العالم الإسلامي، ولو أدى ذلك إلى تقسيم الأمة وضياعها وسقوط ثرواتها بيد أميركا و"إسرائيل"؟