تعكس بشارات الهدوء والارتياح والانسيابية على ملامح السيد حسن نصرالله حجم الإنجاز الميداني الذي حققه مجاهدو المقاومة على ارض مزارع شبعا الاربعاء الماضي. ورغم كشف السيد نصرالله لبعض المعطيات الإضافية في اغتيال القنيطرة الغادر الا ان هناك بعض التفاصيل لم تكشف حتى الآن. وتفيد المعطيات ان التحقيق الامني الذي تقوم به الاجهزة المتخصصة في المقاومة لم ينته بعد وأن التفتيش عن اجوبة بعض الاسئلة ما زال من دون اجوبة. فجميع من كانوا في السيارتين المدنيتين قد استشهدوا وليس هناك من شهود عيان. فهل استهدفت مروحيات العدو الموكب عند ذهابه في جولته ام عند عودته؟ وهل كان الخرق ناجماً من معلومة تجسسية من الجو عبر طائرات الاستطلاع والرصد ام من معلومة ارضية او اتصالاتية؟ ام انها خرق ارضي فقط؟

وفي إنجاز مزارع شبعا الكبير امنياً واستخباراتياً وعسكرياً لم يتطرق السيد نصرالله الى بعض الجوانب التقنية والتفاصيل الميدانية التي ستبقى طي الكتمان لدى المقاومة طالما الاسرائيلي لم يعلن عنها. ومن بين هذه المعطيات وجود شريط مصور عن العملية يسجل حركة الموكب قبل وبعد استهدافه لن يكشف عنه الا في الوقت المناسب. بالاضافة الى وجود معلومات تفيد بأن السيارة الثانية من الموكب والتي استهدفت واحترقت على غرار السيارة الاولى وقتل فيها ضابط وعريف، لم تكن خالية وقت اصابتها.

الحساب المفتوح امنياً وعسكرياً بين المقاومة والعدو ليس جديد العهد ولا يعود فقط الى مرحلة العام 2006 عندما التزم الجانبان بوقف "الاعمال العدائية" بموجب القرار 1701 وهو التزام عملياً بقي ساري المفعول من جانب "حزب الله" فقط بينما خرقته اسرائيل بالطول وبالعرض وبالوسائل كافة من البر والبحر والجو وبالتعدي على حقوق لبنان في الثروتين النفطية والمائية.

عسكرياً اصطدمت اسرائيل مرتين بالمقاومة، الاولى بالعبوة الناسفة في مزارع شبعا رداً على استهداف مهندس الاتصالات لشبكة المقاومة في عدلون اخيراً والثانية في كمين اللبونة قبل بضعة اشهر، بينما سجل اشتباك تصدى خلاله الجيش اللبناني لجيش العدو ببسالة في موقعة شجرة العديسة.

وبعد "الالتزام" الشكلي لاسرائيل بعدم خرق الـ1701 عسكرياً ضد المقاومة لتجنب تداعيات حرب خاسرة على غرار عدوان الـ2006، كثّفت استخبارات العدو من عمل ضباطها وعملائها في لبنان وسورية لتصفية قيادات المقاومة الميدانية والتي كانت لها بصمة واضحة في انتصار تموز. فعمدت الى اغتيال القيادي الكبير عماد مغنية في كفرسوسة السورية رغم انها رصدت تحركات له في جنوب لبنان اكثر من مرة بعد عدوان تموز 2006 لكنها اتخذت قرار التصفية الانتقامية منه بعد عامين في العام 2008 في سورية تجنباً لرد من المقاومة من لبنان. ومن ثم اغتالت العميد محمد سلمان والذي تعتقد انه كان ضابط الاتصال بين المقاومة والقصر الجمهوري في سورية. وقبل الاغتيالين وبعدهما عمدت الى تصفية علماء نوويين سوريين وضباط متقاعدين شاركوا في حرب تشرين التحريرية في العام 1973. وكل هذه الاعمال الاجرامية الانتقامية حملت بصمة وتوقيع الموساد الصهيوني من دون ان تعترف السلطة السياسية الاسرائيلية بالوقوف وراءها صراحة او رسمياً.

في إطلالته الشاملة امس وفي ذكرى الشهداء السبعة في القنيطرة، ارسى السيد نصرالله معادلة جديدة في الصراع مع العدو، فلم يعد هناك من تفريق بين حساب امني وآخر عسكري فالاعتداء على المقاومة وشعبها وبلدها او احد مجاهديها من العنصر العادي الى المسؤول الرفيع أكان في سورية او في لبنان، او الامني او العسكري لن يمر مرور الكرام، ويمنح الحق الفوري بالرد عليه اينما كان وبالطريقة التي تراها المقاومة مناسبة. وهذه المعادلة الجديدة بتغيير قواعد الاشتباك وظروفه الردعية تتجاوز التي كانت قائمة بعد العام 2006، لتشمل ايضاً الحرب الشاملة والواسعة مع تأكيد ان المقاومة هي في موقع الدفاع وليس الهجوم وليست في وارد إشعال الحرب للحفاظ على المصلحة الوطنية والحفاظ على مقدرات البلد وصيانة جمهور المقاومة وأصدقائها وحلفائها.

ما قبل القنيطرة ليس كما قبلها وما بعد عملية مزارع شبعا وسقوط لواء "غفعاتي" حساب آخر، فرغم التأكيد على ان اي حساب جديد سيواجه بقسوة وشدة غير معهودتين من المقاومة، الا ان لا بد من العدو من التحسب جيداً لحسابين سابقين لم يقفلا من القيادي عماد مغنية الى حسان اللقيس.