في جنوب القاهرة يقع حي دار السلام، منطقة شعبية كثيفة السكان. ورغم المباني الشاهقة التي تضفي على المنطقة نوعاً من التحضر، فإن المقيمين فيها ما زالوا يصدقون الخرافات، لذا لم يكن صعباً على أسرة عبد المنعم أن تؤمن بأن الأشياء التي تختفي من منزلهم بصورة مستمرة وراءها جن.

أسرة بسيطة ذات أصول صعيدية، يعمل عائلها في مهنة الخراطة في ورشة أسفل مسكنه، وزوجته ربة منزل تركت التعليم منذ كانت في العاشرة من عمرها، ولديه من الأبناء ثلاثة، أكبرهم مريم ثم شقيقاها التوأمان اللذان يصغرانها بعامين.

وأصرّ على أن يرسل صغاره إلى مدرسة خاصة قد تؤمن لهم مستقبلاً أفضل من التعليم، بعيداً عن المدارس الحكومية، لتبدأ صغيرته التمرد على الحياة من خلال مقارنات عقدتها مع زميلاتها في هذه المدرسة.

وبدون تفكير قررت مريم الاستيلاء على ما يقع تحت يدها من أموال تمكنها من الظهور في موقف يميزها عن زميلاتها. ولأن الأمر كان من السهل كشفه، لجأت إلى تمثيلية أقنعت من خلالها أسرتها بأن الأشباح تسكن منزلهم، بعد أن استيقظ الجميع ذات صباح ووجدوا السواد وقد غطى أحد جدران الحمام ليعجزوا عن تفسير ذلك. وهنا راحت الإبنة تروي أساطير عن الهالات التي تراها. ولأنها كانت طفلة صغيرة، كان من المستحيل أن يستوعب أحد أنها تكذب أو أنها وراء هذا اللون الأسود الذي صنعته بطلاء اشترته من أجل مخططها.

نجحت الفتاة في زرع الأوهام في رأسَي والديها، لتبدأ الاستيلاء على مبالغ مالية يدخرها الأب في غرفة نومه، وأمام قسم زوجته أن يدها لم تمتد إليها، اضطر لتصديق أمر الجن الذي حلَّ عليه ضيفاً ثقيلاً فلجأ إلى شيوخ حاروا في أمر ما يحدث في منزله، دون أن يفلحوا في إنهاء مشكلته.

وحتى لا تدع الطفلة مجالاً للشك فيها، كانت تخفي أشياء تافهة، مثل أواني الطهو وأدوات المائدة وأحياناً ملابس والديها وشقيقيها الصغيرين، وتستولي في الوقت نفسه على مصوغات والدتها قطعة وراء الأخرى، تذهب لبيعها لأحد ضعاف النفوس ليبخس ثمنها، مستغلاً علمه بكونها مسروقة، لتحصل هي على حفنة من الجنيهات تنفقها على عزومة دعت إليها زميلة في المدرسة لتظهر أكثر ثراءً منها. وقد أتقنت مريم اللعبة، وصارت تعرف كيف لا تلفت النظر إليها، من خلال إعادة أشياء كانت قد اختفت منذ سنوات لتظهر مجدداً فجأة، يساعدها في ذلك ما يحيط بوالديها من سذاجة بحكم افتقارهما إلى العلم والمعرفة. فاختفاء قميص من ملابس الأب وظهوره بعد عام، أو سكين من مطبخ والدتها وعودتها فجأة، لا تفسير له إلا أنها أفعال الجن.

ثم ألقى رجال الشرطة القبض على الطفلة، أثناء وجودها لدى أحد محلات بيع المشغولات الذهبية تعرض قرطاً ذهبياً للبيع بقيمة لا توازي ربع ثمنه، ليشك الرجل في أمرها ويبلغ رجال المباحث بعد أن فطن إلى أنه مسروق. إلا أن المفاجأة كانت في اعترافها بسرقته من والدتها، الأمر الذي استوجب استدعاءه.

لم يصدق عبد المنعم ما يسمعه حتى كاد يغمى عليه، عندما وجد أن القرط الذي ضبط بحوزة ابنته من ضمن الأشياء التي استولى عليها العفريت قبل عامين، لينهال عليها بالضرب غير مصدق أن تكون صغيرته هي العفريت الذي يعيش معه منذ ست سنوات.

وقفت مريم عبد المنعم "16 سنة" تذرف الدموع، تحاول استجداء عطف والدها طالبة منه المغفرة، إلا أن أصول الرجل الصعيدية ظهرت عليه وأصر على الانتقام منها واتهمها بالسرقة، لتبيت ليلتها في الحجز عقاباً لها على تطلعاتها غير المشروعة، ليعود عن أقواله بعد استجداء الأم خوفاً من الفضيحة، ويذهب إلى النيابة ويفيد بأن زوجته أبلغته أنها هي من منحت صغيرتها القرط لتبيعه، ليتم إخلاء سبيلها، والجميع يعلم أنها "العفريت" الذي نشط في السرقة طوال ست سنوات.