مع كل يوم جديد يُتحفنا إرهابيّو تنظيم "داعش" بتطبيق وسائل قتل قديمة-جديدة بحقّ أسرى ومخطوفين لديهم، من نحر للأعناق، مُروراً بالرمي من سطوح المباني الشاهقة، وصولاً إلى إحراق الأحياء، بشكل جعل إرتكابات عصابات ومافيات المخدّرات في العالم جرائم مُتواضعة وخاصة بالمبتدئين أمام هذا الكمّ من إجرام "الدولة ​الإسلام​ية" المزعومة. وتفنُّن إرهابيّي "داعش" في استعراض جرائم التعذيب والقتل والتنكيل بالجثث أمام الكاميرات، حَوّل أفلام الرعب الأميركية إلى سيناريوهات مُسلّية ومُضحكة. والأخطر أنّ كل ذلك يتمّ بزَعم تطبيق آيات من القرآن الكريم، الأمر الذي جعل النقمة العالمية على ظاهرة "الإرهاب الإسلامي" تتعاظم، على الرغم من كل محاولات فصل هذه الإرتكابات الإجراميّة عن الدين الإسلامي.

فإتهام "داعش" بتحريف الآيات القرآنيّة تارة، وبتفسيرها بشكل مُشوّه تارة أخرى لا يكفي لتنقية الدين الإسلامي ممّا لحقه من تشويه. وكذلك الأمر بالنسبة إلى إتهام "داعش" بتطبيق هذه الآيات في غير مكانها وزمانها. وبالطبع إنّ مواجهة فكر "داعش" الإرهابي الذي ألحق ضرراً معنوياً جسيماً بسمعة المسلمين المُنتشرين في مختلف أنحاء العالم، لا يُمكن أن يتمّ بالدعوة إلى القتل المُضاد والعنف وتقطيع الأوصال، وبالإستشهاد بآيات قرآنيّة لتبرير ذلك، كما فعل ​الأزهر​ بالأمس القريب، لأنّ هذا الأمر يُدخلنا في جدل فقهي-ديني بشأن من هو على حقّ في تفسير هذه الآيات وفي حُسن تطبيقها، ولا يُسقط طابعها العنفي!

والأكيد أنّ مُواجهة كل التنظيمات العالمية المُصنّفة "إسلاميّة مُتشدّدة"، والتي تقوم بارتكابات وجرائم وفظائع بإسم الدين الإسلامي، لا يكون إلا بمواجهة حججها التي تدعو للقتل بحجج مضادة تدعو للسلام، وبمواجهة حملاتها الإعلامية المُرعبة بحملات إعلامية عالمية تنبذ العنف. ومن غير المقبول بعد اليوم عدم خروج أصوات الإدانة والتنديد الجدّي والواسع والعالمي من كل المرجعيّات الإسلاميّة لأيّ نوع من أعمال القتل التي يُنفّذها هؤلاء، من نيجيريا ومالي مع "بوكو حرام" وجماعتي "أنصار الدين" و"جماعة التوحيد والجهاد"، مروراً بتنظيم "داعش" في العراق وسوريا، وصولاً إلى جماعات "سيف الله" في الفليبين و"المُجاهدين الماليزيّين" في ماليزيا و"عسكر الجهاد" في إندونيسيا، وغيرها العشرات من المنظمّات الإرهابية تحت ستار الدين، من دون أن ننسى تنظيم "القاعدة" العابر للقارات.

فأيّ تبرير يُحاول منح "الإرهابيّين" الذين يزعمون تطبيق ما جاء في القرآن حُججاً تخفيفيّة، تارة بأنّهم يَقتُلون ويَضطَهدُون كما يُقتلون ويُضطَهدُون، وطورًا بأنّهم جَهلة فُقراء مُضَلَلُون ومُنقادُون، ليس سوى محاولة لذرّ الرماد في العيون. فوجود دكتاتور مُجرم هنا، وحُكم ظالم هناك، ومشاريع إستحواذ على السلطة وسيطرة على الثروات هنالك، لا يُبرّر إطلاقاً الجرائم المُنفّذة ضد الأبرياء، ولا الإضطهاد العرقي والديني بحقّ الأقليّات، ولا قتل كل من يحمل رأيًا مخالفاً حتى لو كان ينتمي إلى الدين نفسه والمذهب نفسه. حتى أنّ للحروب أسُسها وقوانينها، وللتعامل مع الأسرى العسكريّين إتفاقات ومعايير واضحة. ودَوسها كلّها من قبل إرهابيّي "داعش" ومن هم على شاكلته، يَستوجب الإدانة الشاملة وسحب كل الذرائع والتبريرات منه، أيّا تكن.

أكثر من ذلك، على المَرجعيّات الإسلاميّة في العالم، مُعالجة مَوجات التأييد الكبيرة التي يحظى بها تنظيم "داعش" وغيره من التنظيمات الإسلاميّة الإرهابيّة، في الأوساط الشعبيّة في الكثير من الدول الإسلاميّة، لأنّ قوّة هذا النوع من التنظيمات المُشوّهة للدين الإسلامي، ليست بما تتلقّاه من دعم بالسلاح وبالمال من قبل بعض الدول والجهات، ولكن بما تحظى به من بيئة حاضنة، وبما يُمكنها القيام به من عمليّات "غسل دماغ" لمئات آلاف المسلمين في العالم، لتأييدها ولجرّ الكثير من الشباب إلى حمل السلاح والإنخراط في صفوفها. ومُعالجة مَوجات التأييد الشعبيّ هذه لا يُمكن أن تتمّ إلا عبر التوعية والإرشاد والشرح الديني بأفكار مناهضة كلياً للفكر الذي تحمله تنظيمات الإرهاب.

في الختام، الأكيد أنّ الوقت قد حان ليُواجه المُسلمون "الإرهاب الإسلامي" بجدّية كبيرة، من خلال الإعلام والفكر والثقافة والتوعية الدينيّة، لجهة ترشيد المُسلمين لإظهار جانب التسامح والرحمة والعدل من دينهم، ولجهة تفكيك البيئة الشعبيّة الحاضنة لأفكار تنظيم "داعش" وكل التنظيمات الإرهابية الأخرى على شاكلته، وليس عبر الدعوة إلى تنفيذ أعمال قتل وتنكيل مُضادة، حتى لا يكون سلمان رشدي(1)، صاحب كتاب "آيات شيطانيّة" المُثير للجدل، يَضحك ويَسخر كثيراً من مخبئه السرّي!

(1)الكاتب البريطاني من أصل هندي، سلمان أحمد رشدي، نَشَر في العام 1988 رواية بإسم "آيات شيطانيّة" إعتبرت مُهينة للقرآن والرسول، وتسبّبت بجدل عالمي وبتظاهرات إحتجاج وبأعمال شغب، وكذلك بعمليات تهديد وتفجير لمكتبات ودور طباعة وتهديد وقتل لمترجمين وباعة، إضافة إلى صدور فتوة "هدر دم" بحقّه في شباط 1989 على لسان المُرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله الخُميني. وقد عاش رشدي بعدها مُتخفّياً، في ظلّ حماية أمنيّة دائمة، علماً أنّه نجا من محاولة إغتيال في آب 1989 عبر كتاب مُفخّخ حاول تمريره اللبناني مصطفى مازح من بلدة طيرفلسيه الجنوبيّة، لكن الكِتاب إنفجر قبل وصوله إلى يد رشدي ما أسفر عن مقتل مازح وتدمير جزئي لفندق "بادينغتون" البريطاني حيث كان ينزل الكاتب المُستهدف واللبناني الذي حاول تنفيذ الفتوى الإيرانيّة بحقّه.