يُدرك المقربون من رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون أن اللحظة التي انتظروها طويلا اقتربت كثيرا. هم أيقنوا أن حظوظ الرجل بتولي رئاسة الجمهورية بلغت مستويات غير مسبوقة بعد دعوة رئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري الجنرال الى العشاء بمناسبة ذكرى مولده الثمانين، والتي تمت بالتزامن مع الحوار القائم مع حزب "​القوات اللبنانية​" والذي يتقدم يوميا خطوة الى الأمام باتجاه تحقيق التفاهم المسيحي–المسيحي الذي طال كثيرا انتظاره.

لم يُعر هؤلاء اهتماما كبيرا طوال الاشهر الـ10 الماضية لما حكي عن انعدام حظوظ زعيمهم أو عن تقدم أسهم آخرين على حسابه، تحلّوا بالكثير من الصبر والايجابية سعيا وراء هدفهم الكبير، سعوا الى تسويات سياسية لم يعرفوها من قبل وقدّموا الكثير من التنازلات حرصا على عدم احراق ورقة "الجنرال"، فحاولوا كبت مشاعرهم بالكثير من الأوقات وخاصة بعدما وردهم في وقت من الأوقات معلومات عن فيتو سعودي يمنع انتخاب عون رئيسا، اقتناعا منهم بأن الظروف قد تنقلب معبّدة الطريق الى بعبدا.

ينكبّ طبّاخو السياسة في الرابية حاليا على اعداد خطط ادارة المرحلة المقبلة، وهم يبدون متفائلين الى أنّهم سيتولون ادارتها من القصر الجمهوري في بعبدا. وبعكس ما قد يوحي المشهد العام للبعض بصعوبة التعاطي مع ما هو مقبل من أحداث، يبدو أحد هؤلاء الطباخين مرتاحا الى قدرتهم على التداول مع كل الملفات بكثير من الحنكة والتروي، فبرأيه مجرد وصول العماد عون الى سدة الرئاسة سيحقق عملية التصحيح المطلوبة للعلاقة التشاركية بين الفرقاء اللبنانيين، فلا خطط لتعديل الدستور أو البحث بنظام سياسي جديد أو غيرها من العمليات الانقلابية، بل خطط لتطبيق كامل وصحيح للدستور كما هو من دون زيادة أو نقصان.

وتؤكد مصادر الرابية أن العماد عون وبعكس ما قد يعتقد البعض سيلعب دورا توفيقيا بين مختلف المكونات، وسيحاول أن يكون على مسافة واحدة من الجميع تحقيقا للأمن الوطني والقومي. وتقول المصادر: "العناوين العريضة لمشروع العماد عون الرئاسي تختصر بالتالي،

-اولا، تطبيق حرفي للدستور،

-ثانيا، السعي الى لا مركزية موسعة،

-ثالثا، اقرار قانون للانتخابات النيابية يحقق صحة التمثيل،

-رابعًا، تفعيل عمل المجلس الدستوري".

ويُدرك طباخو الرابية بأن اي خطوة غير محسوبة قد يقوم بها العماد عون مع توليه الرئاسة ستكون "مشروع حرب"، لذلك سيسعى لتجنب الدخول في مواجهة مع أي من الفرقاء، كما سيعمل بروحية الحوار والتلاقي التي يتبعها أخيرا لضمان نجاح عهده. وتضيف المصادر: "لن نقحم أنفسنا في ملفات أو ندخل في متاهات لا ناقة لنا فيها ولا جمل".

وتؤكد المصادر أن أيا من الفرقاء الاساسيين لم يطلب من العماد عون بشكل رسمي وجدي أن يعلن موقفا واضحا من علاقته بـ"حزب الله" أو من سلاح الحزب ومشاركته بالحرب في سوريا لتبني ترشيحه للرئاسة، وبالتالي هو لن يتصدّر معارك ليس معنيًا بها بشكل مباشر. وتقول: "اذا كان الطرفان المعنيان بهذه الملفات وهما تيار المستقبل وحزب الله قررا وضع هذه الملفات جانبا في حوارهما الحاصل، فلماذا نصر نحن على فتح ملفات نعلم تماما أنّها ستعقّد الأمور ولن توصل الى نتيجة تُذكر".

وترى المصادر ان "الدول الكبرى رضخت لفكرة ومنافع وجود حزب الله في سوريا لقتال الارهاب، فاذا كانت واشنطن لم تعد تنتقد هذه الخطوة، فهل المطلوب منا أن نصوّب باتجاهها؟"

ويشير هؤلاء الى أن ورقة التفاهم مع "حزب الله" ستنظم العلاقة معه في فترة تولي عون الرئاسة، كما ستنظم الحوارات المستمرة مع "تيار المستقبل" العلاقة معه على أمل الوصول الى تفاهمات مكتوبة. وفي الجبهة المسيحية، يعوّلون على ما يتمّ إعداده بين الرابية ومعراب والذي من المتوقع أن يطلق صفارة الانطلاق الى بعبدا، بعد أن يكون قد تم التوافق على كيفية ادارة المرحلة المقبلة خاصة بما يتعلق بالبيت المسيحي.

وسيسعى هؤلاء الى ان يُعمم التفاهم الذي يجري الاعداد له ما بين عون وجعجع على باقي الفرقاء المسيحيين وخاصة حزب الكتائب، لتبقى العلاقة مع رئيس تيار المردة سليمان فرنجية كما هي دائما "علاقة استراتيجية".

في المحصلة، وبانتظار انتهاء ترتيبات الانتقال الى بعبدا، يفضّل هؤلاء اعتماد سياسة عون القاضية بالتروي وعدم الافراط بالتفاؤل خوفا من تعقيدات تطرأ في اللحظة الأخيرة تطيح بكل الانجازات الماضية، وهم يبدون حريصين جدا على وجوب أن لا يحقق التوافق على انتخاب عون رئيسا صدمة في أي شارع، فبعدما بات الشارعان السني والقواتي في جو امكانية أن يكون عون في سدة الرئاسة، تُبذل مساع حاليا لوضع من تبقى من فرقاء في هذه الأجواء أيضا تتويجا لمسيرة طويلة باتجاه القصر الرئاسي.