ازداد الوضع الامني تعقيدا في ليبيا في الفترة الاخيرة، بعد دخول داعش على خط الصراع الدائر هناك واعلان الامارة الاسلامية في برقة، والذي عمل على زج مصر بالصراع القائم فيها، ومن المعلوم أن لدى ليبيا حدوداً مشتركة مع مصر بحدود 1200 كلم، وقد افتعل داعش حادثة ذبح الأقباط ليستفز الشارع المسيحي، و يحرك الفتنة الطائفية مجدداً في مصر (التي لم تنس ما جرت عليها من آلام القتل وحرق الكنائس، اثناء حكم حسني مبارك البائد) ويوجد حالة من عدم الاسقرار على المستوى الوطني، وابقاء مصر في حالة استنزاف دائم.

أراد داعش من عملية الذبح، وتصوير هذا المشهد المرعب، ونشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أن يستفز الرئيس السيسي ايضاً، لإخراجه عن طوره، وزجه في المعركة في ليبيا، لتعميق الهوة بين الحكم في مصر والاسلاميين، وعلى نحو خاص حركة الاخوان المسلمين، التي تمتلك شعبية كبيرة، ولها تأثير في الشارع المصري، خصوصاً بعد أن شن الجيش المصري وبالتنسيق مع اللواء حفتر الغارات على مواقع المسلحين في مصراتة، وكانت حصيلتها مقتل العديد من المقاتلين والمدنيين بحسب كلام المسلحين ومصراته معروفة بتأييدها الكبير للاخوان المسلمين، ولديها مجموعات عسكرية تقاتل حفتر والمجموعات الاخرى المتحالفة معه.

دعت مصر في خضم هذه الأزمة المجتمع الدولي الى التدخل من أجل محاربة داعش والارهاب التكفيري في ليبيا، وطلب مندوبها من مجلس الامن ان يتدخل عسكرياً لايقاف حمام الدم فيها، ولكن المناخ الدولي والإقليمي كان رافضاً للتدخل العسكري، ويرغب في ان تحل الامور بالحوار بين الاطراف المتنازعة من اجل الوصول الى تسوية سياسية، وهو يعلم ان الامور ليست بهذه البساطة بل أعقد بكثير من ذلك.

تدعونا هذه المواقف الدولية والاقليمية المثيرة للشك الى التساؤل: لماذا لم يتخذ مجلس الامن قراراً حاسماً وتحت البند السابع، يدعو الى محاربة الإرهاب في ليبيا؟ لماذا لم يتحرك التحالف الدولي لضرب الإرهاب التكفيري في ليبيا، وهو امر من صلب مهامه؟ ألا يشكل الإرهاب التكفيري في ليبيا خطراً على دول الجوار الإفريقي ودول أوروبا؟ ألا تشكل الحركة التكفيرية خطراً كبيراً على مصر وتاخذها الى الفلتان الامني واللاستقرار؟

والى متى تستطيع مصر ان تبقى صامدة في مواجهة هذه المجموعات الداعشية واخواتها من الحركات الاسلامية التي زُجت معها في اتون هذه الفتنة؟ وهل يستطيع السيسي بمفرده ان يستمر في هذه المواجهة من دون دعم دولي حقيقي واقليمي؟ وهل سيستمر في التنسيق الامني مع اللواء حفتر من اجل الحد من ارتدادات داعش على مصر؟ الا يؤثر هذا الوضع سلباً في عملية الصراع ضد الكيان الصهيوني؟

ان المستفيد من هذا الوضع المأزوم في ليبيا ومصركل من اسرائيل وامريكا، وكلاهما يخشى من استقرار الوضع الامني والسياسي في مصر، ويخافا من ان تعود الى دورها التاريخي في عملية الصراع ضد اسرائيل، كونها كانت مرتكزاً قومياً واسلامياً في تلك المرحلة، و جزءاً اساس من خط الممانعة في منطقة الشرق الاوسط، وما تقوم به المجموعات التكفيرية من اعمال تخريبية ضد الجيش المصري، يصب في خدمة اسرائيل.

على النظام المصري ان يدرك بان من مصلحته، حصر مواجهته بالتكفيريين دون غيرهم من الحركات الاسلامية المعتدلة، وان يبادر بدعوتهم للحوار، وعليهم ان يكونوا على قدر كبير من المسؤولية، ويستجيبوا له، لان المؤامرة كبيرة، وستحرق نارها الجميع، اذا لم يتحصنوا منها، وسيكون الخاسر الاساس فيها فلسطين.