يكاد المشهد يشبه نفسه لما حصل في نينوى العراقية في القرى السورية الثلاثين التي دخل اليها «تنظيم الدولة الاسلامية» الارهابي مدمراً الحجر والبشر ومنكلاً بالمسيحيين على غرار ما فعل في نينوى من قتل وخطف وحرق وصلب وسط الذهول والصمت نفسه الذي رافق ارتكابات «داعش» في العراق في اكثر من مكان وعجز المجتمع الدولي والانساني عن مد يد المساعدة الى المسيحيين المنتشرين في المناطق التي طالها بطش «داعش» و«النصرة» والتكفيريين.

هذا المشهد بات يلقي بظلاله كثيرا على المسيحيين في لبنان الذين بدأوا بتحسس مكامن الخطر الذي قد ينتقل الى ساحتهم في اي وقت، وما الذي يمنع انتقال العدوى الارهابية الى الربوع اللبنانية التي تعج بالخلايا الارهابية النائمة في مخيمات النازحين وفي المخيمات الفلسطينية وحيث يرابض آلاف المسلحين على تخوم السلسلة الشرقية يتحينون الوقت المناسب وذوبان الثلوج للتحرك نحو الداخل اللبناني ومحاولة احتلال قرى وبلدات لبنانية وربما مسيحية منها، ولعل المعارك التي تشهدها تلة راس الحمرا كل اسبوع ومحاولة المسلحين التي فشلت في تحقيق اي اختراق اقوى دليل على ما يزمع هؤلاء المسلحين فعله وما يخططون له عندما تصبح العوامل والفرص مؤاتية.

وعليه تؤكد اوساط مسيحية ان الوضع المسيحي في لبنان قد لا يكون مع اشتداد ارهاب «داعش» بمنأى عن الاحداث وما يحصل لإخوانهم ربما في مناطق المواجهة مع التكفيريين، وعليه على المسيحيين ان يتعظوا وان يتحسبوا للمفاجآت وقراءة آفاق المرحلة المقبلة لأن الخطر الكبير جاثم فوق سماء المنطقة ولبنان الذي دخل عين العاصفة الارهابية، وتضيف الاوساط المسيحية ان حكمة المستقبل وحزب الله اللذين تجاوزا خلافاتهما العميقة والكثيرة يجب ان تكون عبرة للمسيحيين لكي يتوحدوا ويتفقوا على الاقل على اسم رئيس للجمهورية يحمي الجمهورية او ما تبقى منها ويحافظ على حقوق المسيحيين، وهذا الامر لا يتوفر إلا اذا اتفقت القيادات المسيحية بسرعة على رئيس للجمهورية، والمقصود هنا القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر اللذين لا يبدوان انهما توصلا بعد الى اتفاق رئاسي وجل ما انجزاه اتفاق نوايا لا تحتاجه الساحة المسيحية وسط الخطر الكبير الذي يتهددها.

واذا كانت المناطق المسيحية لم يصيبها بعد ما حمله ارهاب «النصرة» و«داعش» الى الجيش ومواقعه والى المناطق الشيعية في الضاحية الجنوبية وجبل محسن الى السفارة الايرانية فذلك لا يعني ان هذه المناطق ستبقى بمنأى عن اي خطر محتمل قد يصيبها على حدّ قول الاوساط، وقد سعى المسلحون الارهابيون في معركة تلة الحمرا قبل نحو شهر الى احتلال بلدة مسيحية وهذا الاختراق فيما لو حصل لا سمح الله كان سيشكل انتكاسة للوضع اللبناني ولمعنويات الجيش الذي استطاع ان يسطر ملحمة بطولية في تلك المعركة بعد سقوط الموقع واسترجاعه ومنع المسلحين من تحقيق حلمهم بالسيطرة على منطقة مسيحية على غرار ما فعلوا في العراق او في سوريا ومن تثبيت معادلة الامارة الاسلامية الممتدة من عرسال الى طربلس.

ومؤخراً بدأت المخاوف تتضاعف، وتتخوف الاوساط من استهداف للحلقة الاضعف في المجتمع اللبناني اي المسيحيين، فالمناطق الشيعية محصنة بزنار من النار والطوق الأمني الذي يلفه حزب الله الذي اكتوى بنار الانتحاريين العام المنصرم، والارهابيون في الجرود يشعرون بالاختناق في الجبال ويسعون لفك الطوق الامني عنهم وفتح منافذ لهم ولاثبات الذات وانهم قادرون على شن الهجوم ويملكون السلاح الكافي المخزن في الجرود، وبعد نجاح عملية رومية لقطع التواصل بين داخل السجن وخارجه فان الارهاب الآتي من «النصرة» و«داعش» كما العدو الإسرائيلي ربما سيبحث عن متنفس عن أزمته خصوصاً بعدما اعلن تيار المستقبل حربه على الارهاب وبعدما ثبت ان حزب الله يلاقي اجماعاً داخلياً بمساندته المؤسسة العسكرية في الحرب على «داعش» على الحدود الشرقية والبلدات المحاذية لسوريا، ومن هنا فان المخاوف التي تتحدث عنها اوساط سياسية وامنية لا تخفي شكوكها في امكانية ان يضرب الإرهاب في مناطق ليست مسرحاً للعمليات او غير محصنة امنياً، وهذه الفرضية قد تصح على المناطق المسيحية البعيدة عن مسرح المعارك والتي تحوي خلايا نائمة مخيفة لأنها قد تكون ربما الهدف الأسهل للمجموعات الارهابية.