بات الكثير من الخبراء مقتنعاً: عندما يذوب الثلج ستبدأ المعركة في جرود عرسال. ويقولون: لا تنخَدعوا بالهدوء السائد. فالهدنة الشتوية كانت إضطرارية لـ»داعش»، وقاربت أن تنتهي.

السيناريو الذي يتوقعه البعض هو الآتي: عندما تصبح الطرقُ الجردية سالكة، ستستعيد «داعش» الوضعية التي كانت قائمة قبل موسم الثلوج، أيْ وضعية الهجوم. وستحاول الخروج من المناطق التي تنحصر فيها اليوم وتهاجم مواقع الجيش في جرود عرسال- الهرمل، ما يؤهلها أن تلعبَ ورقة الضغط على المناطق التي تُعتبر معاقل لـ«حزب الله».

ووفق السيناريو، ستتحرّك «داعش» في الجرود ال​لبنان​ية، في موازاة حراكها على جبهة القلمون السوري. وستضخُّ بمجموعات من عناصرها عبر الحدود إلى لبنان في محاولة للسيطرة على بقعةٍ جردية واسعة تكون هي الأولى لـ»الدولة الإسلامية» في لبنان، بعدما فشلت محاولاتها في طرابلس وعرسال البلدة وسواهما.

ولذلك، بدأت الإستعدادات المقابلة في لبنان لمواجهة هذا السيناريو. فقوات النظام السوري و»حزب الله» تستعدُّ في المقابل لحشر «داعش» بين فكّي كماشة من الجهتين اللبنانية والسورية. ويتردَّد أنها قد تبادر إلى فتح المعركة لتحرم «داعش» من قدرته على المبادرة. وهي لذلك تستجمع القوى إستعداداً لمعركة قاسية، ما إن يبدأ موسم الثلوج بالإنحسار.

كما يتحسَّب الجيش اللبناني للسيناريوهات العسكرية المحتمَلة. فـ»داعش» لم توقف محاولاتها للتقدُّم نحو مواقعه في جرود بعلبك- الهرمل، حتى في ذروة موسم الثلوج. وقد خسر عدداً من جنوده في الأشهر الأخيرة، بضربات مفاجئة.

لكنّ المواجهة المحتمَلة قد تترك إنعكاساتها في إتجاهين:

1- إذا وجدت «داعش» نفسها في وضعية صعبة في جرود القلمون والهرمل، فقد تلجأ إلى إستخدام أوراق أخرى في لبنان، ومنها تفجير الوضع مجدّداً في المناطق التي يُتاح لها أن تقوم بذلك، كطرابلس أو سواها، أو العودة إلى الأسلوب الإنتحاري، على طريقة التفجير الذي إستهدف جبل محسن في كانون الثاني الفائت. بل إنّ هناك مَن يتخوّف مِن توسيع رقعة التوتر والتفجيرات الإنتحارية لتشمل مناطق أخرى.

2- اللعب مجدَّداً بمصير العسكريين المخطوفين بعد فترة من الصمت التام في الملف. فقد صحَّت التوقعات بأنّ «داعش» ستجمِّد الملف طوال الشتاء، لتحتمي بالعسكريين وتستخدمهم ورقة لتمرير هذا الفصل الصعب، ولتمرير الحدّ الأدنى من المؤن التي تحتاجها. وفي تقدير «داعش» أنّ لبنان لن يبادر إلى مغامرات عسكرية كبيرة عندما يكون 25 من جنوده بمثابة رهائن.

لذلك، أوقفت «داعش» عمليات الإستهداف المبرمَج للعسكريين المخطوفين وأبقت الوساطات في وضعية المراوحة... إنتظاراً لإحياء الملف من جديد.

لكن ما تخطط له «داعش» لا يلقى مواجهة الجيش و»حزب الله» فحسب، بل هناك إشكالية بينها وبين «جبهة النصرة». وفيما تصرُّ «داعش» على مواجهة الجيش اللبناني كأولوية، بإعتباره داعماً لـ»حزب الله»، فإنّ «النصرة» تتمسّك بأولوية المواجهة مع «الحزب».

إذاً، يستعدُّ لبنان لمعركة مؤكدة خلال آذار المقبل. وفي الإنتظار، هو يلقى دعماً دولياً واضحاً، بالسلاح، لمنع إنتقال التوتر من البقعة الجردية إلى المناطق الأخرى. ومن هنا الإستنفار الأميركي- الفرنسي لدعم الجيش وتزويده أسلحة وذخائر تصلح في الدرجة الأولى لخوض الحرب ضدّ الإرهاب.

فالمطلوب حصر الخطر في الجيوب التي تقيم فيها «داعش» اليوم وعدم الخروج منها لنقل عدوى التفجير إلى لبنان. وقد تنجح معركة الجيش في الجرود (و«حزب الله» من جانب آخر) في ضبط توسّع «داعش» خارج الجيوب الجردية التي تستولي عليها. ولكن هل تنجح في ضبط التداعيات: ملف العسكرين المخطوفين وإعادة تفجير الأمن في مناطق داخلية؟

ذلك هو الإستحقاق الذي ربما على لبنان أن يواجهه في الأسابيع القليلة المقبلة. فهل هو على إستعداد كافٍ؟