بعيداً عن تفاصيل الهجوم الذي نفّذه ​الجيش اللبناني​ على تلّتين مهمّتين تقعان في ​جرود عرسال​ – ​رأس بعلبك(1)، والتي جرى تداولها بشكل واسع إعلامياً، لا بُدّ من التوقّف عند أربعة أهداف رئيسة حقّقها الجيش في عمليّته المُحكمة والسريعة والمدروسة، وهي:

أوّلاً: من الناحية العسكريّة التكتيكيّة، تخلّص الجيش من المخاطر الميدانية التي كان عسكريّوه يتعرّضون لها أثناء تنقّلهم بين تلّتي "أم خالد" و"الحمرا"، حيث تُوجَد نقطتا مراقبة ودفاع لكامل المنطقة. وصارت الدوريات بين التلّتين الأساسيّتين المذكورتين، والإمداد اللوجستي من مؤن وذخائر لهما، وعمليّات تبديل العسكريّين فيهما، تتمّ بشكل آمن وبعيداً عن خطر التعرّض لكمائن مُميتة، كما حصل لإحدى دوريّات الجيش في 2 كانون الأوّل الماضي(2).

ثانياً: من الناحية العسكريّة الإستراتيجيّة، وسّع الجيش عبر عمليّته الهجوميّة الإستباقيّة، خط دفاعه ضدّ أيّ محاولات تسلّل أو إعتداء قد يُنفّذها الإرهابيّون في المستقبل، مُستكملاً رسم خط حماية بشكل مُحكم ومتماسك، يمتد من "جبل الصليب" في القاع إلى تلّة "أم خالد" في جرد بعلبك. ولأنّ التلّتين اللتين سيطر عليهما الجيش ترتفعان نحو 1600 متر عن سطح البحر، صار بوسع القوى العسكريّة التي تمركزت فيهما، الإشراف على مساحات واسعة من جرود "رأس بعلبك"، خاصة وأنهما تُشرفان على "وادي رافق" وتشكّلان نقطة دعم ومساندة لتلّة "الحمرا". وبذلك، أصبحت قوى الجيش قادرة على كشف أيّ هجوم واسع في إتجاه الحدود اللبنانيّة، من مسافة بعيدة نسبياً نظراً لطبيعة المنطقة الجرداء، لترفع بذلك قدرات الجيش الدفاعية عن مواقعه وعن البلدات اللبنانيّة على السواء. كما صار وصول المُسلّحين إلى الداخل اللبناني في فترة زمنيّة قصيرة غير ممكن بفعل طول المسافة التي عليهم تجاوزها، وبات إنتشار الجيش أفضل للإيعاز لمرابض مدفعيّته بإستهداف أيّ تحرّك مُسلّح مشبوه بالقذائف الثقيلة بمجرّد رؤية أيّ مسلّح أو آلية مُعادية من مسافة بعيدة. وكلّ ما سبق يدخل طبعاً في سياق الهجوم الإستباقي، لعرقلة تحضيرات المسلحين ولمنعهم من شنّ أيّ هجوم واسع بشكل مريح.

ثالثاً: من الناحية الأمنيّة - المعنويّة، رفعت عمليّة الجيش الخاطفة من معنويّات سُكّان المناطق الحدوديّة، في ظلّ موجات التخويف المُبرمج التي تعرّضوا لها في الفترة الأخيرة، عن تحضيرات لهجوم إرهابي وشيك قد يُعرّض حياتهم وأعراضهم وممتلكاتهم للخطر. كما رفعت هذه العمليّة معنويّات العسكريّين، كونها أعطتهم مزيداً من الثقة بالنفس، لجهة التمتّع بالقدرة على المُبادرة وعلى الهجوم بدعم ميداني من أعلى القيادات السياسية، أي من وزير الدفاع سمير مقبل وقائد الجيش العماد جان قهوجي.

رابعاً: من الناحية السياسيّة، بعث الجيش برسالة حازمة للمسلّحين، مفادها أنّه يتحرّك ميدانياً بمعزل عن أيّ ضغوط داخليّة، وبمعزل عن مسألة العسكريّين المخطوفين، وأنّه لا يكتفي بلعب دور الدفاع، بل أنّه جاهز للمبادرة بشنّ هجمات واسعة وفعّالة عندما تدعو الحاجة. وأثبت الجيش في رسالته المَيدانية أنّ معركته مفتوحة مع الإرهابيّين، وأنّ كلّ ما تتطلّبه خطّته الدفاعية، سيتم تنفيذه في حينه.

في الختام، لا شك أنّ الجيش اللبناني، ومن خلال هجومه الأخير في جرود رأس بعلبك أثبت بما لا يقبل الشك أنّ مقولة نيكولا ميكافيلي "الهجوم أفضل وسيلة للدفاع" التي وردت في كتابه "الأمير"(3)، هي أكثر من مُجدية وفعّالة في بعض الظروف!

(1)سَيطر الجيش في الهجوم الذي نفّذه في 26 شباط الماضي على مرتفعي "صدر الجرش" و"حرف الجرش".

(2)إستشهد ستة عسكريّين وجُرح عسكريّ واحد في كمين مسلّح إستهدف الجيش في جرود "رأس بعلبك".

(3)عبارة عن دراسة في الفقه السياسي، كُتبت باللغة الإيطالية في بداية القرن السادس عشر.