على عكس ما يتردد بين الحين والآخر، والذي يأتي في سياق "الامنيات" ربما لا المعلومات، فالأكيد أن الحوار الذي انطلق ببركة الرابية ومعراب لم يتوقّف، وإن كانت خطواته تسرع او تبطىء بين الحين والآخر.

لا شك أن تأخير القوات باعادة ورقة اعلان النيات الى التيار اثار شكوكاً واستنتاجات حول الاسباب، ما فتح الباب امام بعض التحليلات التي اعتبرت أن هناك تراجعاً من قبل جعجع بالمضي في المسار التوافقي.

وترافق هذا التأخير مع كلام لجعجع عبر التويتر، حمّل فيه التيار مسؤولية الفراغ في سدة الرئاسة، من خلال مقاطعته لجلسات الانتخاب، واعتباره في تصريح آخر، ان ايران تساهم بذلك من خلال دعمها لعون، ما اسار استغراب المتابعين للحوار وطرح اكثر من علامة استفهام حول ما اذا كانت الأمور وصلت الى افق مسدود.

وتشير المعلومات الى أن هذا الأمر كان السبب الرئيس وراء تحرّك النائب ابراهيم كنعان على خط الرابية معراب، والزيارة الأخيرة التي قام بها الى دارة جعجع، والاتصالات التي تبعتها، ما افضى الى توضيح الاسباب الكامنة وراء هذا الجمود ومعالجتها.

وبرزت معالم نجاح هذه المعالجة مع اعلان أوساط معراب في الساعات الاخيرة، انها ستعيد ورقة اعلان النيات الى الرابية، وتأكيد الطرفين بأن لا نية بالعودة الى الوراء، وان المسألة كانت مرتبطة ببعض عوامل الثقة التي يسعيان الى بنائها.

من هنا، وبعدما جرت هذه المعالجة، استؤنفت عجلة التفاوض التي باتت على مشارف المرحلة الثانية، والتي تتضمن في صلبها مسألة الرئاسة بتفاصيلها، وليس فقط بمواصفاتها ومبادئها العامة.

عون مرشّح اول

وفي هذا السياق، يكشف كنعان ل"البلد" أن "الرئاسة بند اول في حوارنا مع القوات، وميشال عون مرشّح اول في كل الحوارات". ويشرح كنعان أن " المسيحيين ليسوا في ايران او في السعودية وإن اختلفت تحالفاتهم في الداخل" واصفاً رئيس حزب القوات اللبنانية "بالشريك الاساس في الحل".

رد القوات خلال أيام

في المقابل، يؤكد الرياشي أن "طريق الحوار سالكة وآمنة، على رغم القنص الذي لا يصيب اساس الحوار او يؤثر فيه. ونحن لا نتوقع ان يتوقف القنص لان هناك متضررين من التقارب المسيحي المسيحي".

يعلم الرياشي أن "الفريقين ليسا في شهر عسل سياسي، ولكنهما يعملان على تقليص مساحات التباعد في السياسة والثقة"، معتبراً ان "من تصور ان هذه المهمة سهلة يكون مخطئاً، لان المهمة صعبة جداً، ولكنها غير مستحيلة... فالمستحيل ليس مسيحيا" .

في الساعات المقبلة، سينكب جعجع، بحسب المعلومات، على وضع ملاحظاته الأخيرة على مسودة "اعلان النيات" على أن يعيدها الى الرابية في الساعات المقبلة او مطلع الأسبوع المقبل. وتتضمّن المسودة 17 بنداً أولها البند الرئاسي ويتم فيها الاتفاق على مواصفات الرئاسة والرئيس القوي بعد اتفاق الطائف، ليعبر عن المسيحيين وتكون لهم الكلمة الفصل فيه.

وعلى عكس ما يعتقده البعض، فلقاء عون-جعجع لن يكون النهاية إنما البداية في مسيرة حوارية تهدف الى تكوين رؤية مسيحية مشتركة في القضايا الاستراتيجية والميثاقية والدستورية. من هنا، فالمهم أن الامور تتقدم بشكل جيد، ولا عودة فيها الى الوراء، والبنود تحاك بتأن وتصميم، وقد تحتاج الى بعض الوقت لتنضج في حلّتها النهائية.

لا شك أن رئاسة الجمهورية هي مفتاح الحلول للأزمة. لكن الحوار القائم بين التيار والقوات ابعد من الرئاسة، بل يهدف الى تحقيق رؤية مشتركة وتفعيل الحضور المسيحي واستعادة الشراكة الوطنية المسيحية - الاسلامية في النظام اللبناني. المهمة ليست سهلة، لكنها غير مستحيلة بين فريقين "يفصلان الزؤان عن القمح" في البيت المسيحي الذي تصدّع على مدى ثلاثين عاماً، وجاءت ممارسة 25 سنة من الطائف، لتضعه في غربة عن النظام وطاولة الحكم، بفعل الابعاد والسجن والتهميش والتمثيل غير السليم إن في المؤسسات الدستورية او الادارات الرسمية.

يعرف المتحاورون، أن هذه الأمور كلها لا يمكن أن تتبدّل على قاعدة " كوني فكانت" بل تحتاج الى متابعة واصرار وجدّية وبعض الوقت، وهو ما يحصل هذه الايام على خط الرابية-معراب.

صباح اليوم، من المفترض أن يكون كنعان قد غادر الى فرنسا في زيارة خاصة. وعند عودته، ينتظر أن تكون الملاحظات القواتية على "اعلان النوايا" قد وصلت، ليطّلع عليها العماد عون، ويبنى على الشيء مقتضاه.

وسط ما تقدّم، يورد المتابعون الملاحظة التالية: صحيح أن التأني في ردم الهوة بين القوات والتيار مطلوب، لكنه يجب ان لا يتفلت من الضوابط المطلوبة ، لاسيما أن الفرصة التي تبدو اليوم متاحة امام المسيحيين، للضغط في اتجاه انتخابات رئاسية صنعت في لبنان، قد لا تتكرر.