"بتعرف يا فؤاد؟ صرنا مكتشفين كذا محاولة لاغتيالي من حزب الله"..

لعلّ هذه الجملة، التي نقلها رئيس "كتلة المستقبل" فؤاد السنيورة عن رئيس الحكومة الأسبق الشهيد ​رفيق الحريري​، تكون "بيت القصيد" في شهادة الرجل أمام المحكمة، شهادة بدت من دونها خالية من أيّ "طعم ولون"، بل أقرب لـ"التحليل السياسي" لا أكثر ولا أقلّ..

ولكنّ "الجملة القنبلة"، كما يقرأها "المستقبليون"، لم "تنفجر" حتى الساعة بأيّ من "خصوم" الرجل، الذين قرّروا المضيّ بسياسة "التجاهل" له وللمحكمة، بل يصرّون على أنّهم يعتبرونها "كأنّها لم تكن"!

مؤامرة ضدّ الحريري؟!

برأي مصادر سياسية مطلعة، فإنّ شهادة السنيورة أمام ​المحكمة الدولية​ لا تنفصل لا شكلاً ولا مضمونًا عمّا سبقها من "شهادات"، في سياق "الموضة الجديدة" التي تعتمدها المحكمة لإثبات وجودها ودورها، خصوصًا في ظلّ تأجيل "المحاكمات" بفعل عدم تسلّمها أيّ من عناصر "حزب الله" الذين اتهمتهم بالتورط في جريمة اغتيال الحريري، والذين يؤكد الحزب أنّهم "مقاومون أبرياء"، رافضًا تسليمهم لمحكمة يعتبرها "إسرائيلية" أولاً وأخيرًا.

تشير المصادر إلى أنّ كلّ الشهادات التي شغلت اللبنانيين في الآونة الأخيرة، من الوزير السابق مروان حمادة إلى النائب السابق سليم دياب والنائب السابق باسم السبع والنائب السابق غطاس خوري وغيرهم، تصبّ في خانة واحدة، هي أبعد ما يكون عن تقديم أدلة حسية أو جرمية تثبت الاتهامات، بل هي مجرّد سردٍ لوقائع تاريخية وتحليلات سياسية، لا تقدّم في معظمها شيئًا يمكن أن يكون له قيمة مضافة في ما يتعلق بعملية الاغتيال.

ولعلّ النقطة الأهمّ والأكثر مرارة من كلّ ذلك، أنّ كلّ هذه الشهادات "تلاقت" أيضًا على نقطةٍ شبه وحيدة، وهي تصوير الحريري الأب وكأنّه كان ضعيفًا، طالما أنّه لم يكن راضيًا عن الوجود السوري ولا عن الممارسات السورية في لبنان، ولكنّه كان ينفّذها بالحرف، دون أن يجرؤ على التلفظ بعبارة "لا" أيًا كانت الظروف. من هنا، لا تتردّد هذه المصادر باعتبار هذه الشهادات وكأنّها في مكانٍ ما "مؤامرة" على الحريري نفسه، تقضي بتحويله من رمز نضالٍ وشجاعة بالنسبة لكثيرين إلى مجرّد تابعٍ جبانٍ، وهي صورة منافية ومجافية للواقع بطبيعة الحال.

"يا جبل ما يهزّك ريح"..

لكنّ هذه "المقاربة" لا تجد أيّ صدًى في شارع "تيار المستقبل"، الذي تبدي مصادره ارتياحًا تامًا لشهادة السنيورة، بوصفها "فشة خلق وأكثر". تقول هذه المصادر أنّ محاولات تصوير الشهادات وكأنّها تسيء للحريري ليست سوى محاولات لـ"ذرّ الرماد في العيون" من قبل من يعتبرون أنفسهم متضرّرين من كشف الحقيقة في جريمة اغتياله، وهم الذين لم يوفّروا وسيلة إلا واستغلّوها في سياق "حربهم المُعلَنة" على المحكمة، وهي حربٌ تعود جذورها لما قبل تشكيل هذه المحكمة، وهو أمرٌ كفيلٌ بحدّ ذاته لرسم الكثير من علامات الاستفهام والشكوك حول هؤلاء.

وفق هذه المصادر، فإنّ شهادة السنيورة في يومها الثاني "فضحت" الأسباب الحقيقية لـ"الحملة السياسية الشعواء" التي تعرّض لها خلال الفترة الماضية، والتي حاول فيها الكثيرون "الضغط" على الرجل بطريقةٍ أو بأخرى لعلّه يضعف أو يخضع، وهي "ضغوط" استمرّت حتى بعد اليوم الأول من الشهادة، حين لم يتردّد البعض بالقول أنّ الرجل "لم يجرؤ" على التلفظ باسم "حزب الله"، فإذا به يردّ لهم الصاع صاعين، ويثبت لهم أنّه لا يهاب قول كلمة الحق، و"يا جبل ما يهزّك ريح".

حدّ أدنى من المنطق..

في المقابل، تعرب قوى الثامن من آذار عن "صدمتها" بهذا "التضخيم" لكلام السنيورة، في وقتٍ يعلم القاصي والداني أنه لا يستحقّ هذه "الطنّة والرنّة". وتوضح مصادر هذه القوى أنّ كلام السنيورة أصلاً يفتقد للحدّ الأدنى من المنطق، باعتبار أنّ الحريري حافظ حتى اليوم الأخير من حياته على علاقة جيّدة بـ"حزب الله"، بل إنّه كان المدافع الأول عن المقاومة في كلّ المحافل الدولية، وتشهد اللقاءات العديدة التي جمعت بينه وبين الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله على ذلك، متسائلة هل يمكن لعاقلٍ أن يصدّق أنّ رجلاً اكتشف أنّ جهةً ما حاولت اغتياله أكثر من مرة يستطيع أن يُبقي على شيءٍ من الودّ معها؟

وتربط المصادر هذا "السرّ الخطير" الذي احتفظ به السنيورة لنفسه طيلة عشر سنواتٍ منذ جريمة اغتيال الحريري، بما سبق أن أعلنه السيد حسن نصرالله شخصيًا في العام 2010 عن "تلفيقة" قدّمها عميلٌ يُدعى أحمد نصرالله لجهاز أمن الحريري، ناقلا عن لسان القيادي في المقاومة ابو حسن سلامة بأنه اقترح على المسؤول العسكري في الحزب عماد مغنية قتل السيدة بهية الحريري، "فيضطر الحريري للمجيء إلى صيدا للتعزية فنقتله في صيدا".

الحوار صامدٌ ولن يتأثر..

عمومًا، تشدّد مصادر "8 آذار" على أنّ ما سُمّيت بـ"القنبلة" التي أطلقها السنيورة ليست سوى "فقاعات صوتية" لا قيمة لها، وتستبعد أن تترك أيّ تداعياتٍ تُذكَر سواء في الداخل اللبناني أو حتى على صعيد الحوار بين "تيار المستقبل" و"حزب الله"، مرجّحة أن "يتجاهلها" الحزب تمامًا، خصوصًا بعد "غسيل القلوب" الذي شهدته الجلسة الأخيرة من الحوار، وبالتالي فلا عودة للوراء، مهما حاول بعض المتضرّرين من هذا الحوار فعله، كما أنّ الحزب الذي يرفض التصعيد في هذه المرحلة، لن يوفّر لهؤلاء الفرصة لتحقيق مبتغاهم ودفن الحوار في مهده.

من جهتها، تبدو مصادر "المستقبل" مطمئنّة لاستمرار الحوار، رافضة افتراض أنّ شهادة السنيورة ستحدث أيّ "اهتزازٍ" على خطه، خصوصًا بعد ما جرى توضيح الأمور بشكلٍ كامل في الآونة الأخيرة، وتمّ التأكيد على أنّ الحوار ضروري لتنفيس الاحتقان وإرساء الاستقرار، ولكنه لا يعني انتفاء النقاط الخلافية والسجالية بين الجانبين. وتشير المصادر إلى أنّ السنيورة أصلاً لم يصعّد في خطابه أمام المحكمة، وهو اكتفى بالردّ على أسئلة محدّدة، وسرد وقائع حصلت معه لا أكثر ولا أقل، مستغربة أن يغمز أيّ فريق من باب الحوار، وكأنه يريد من هذا الحوار "غطاءً" في مكانٍ ما، وهو ما لا يمكن أن يحصل.

قال كلمته ومشى..

قال السنيورة إذاً كلمته ومشى. ارتاح "تيار المستقبل" لها وارتفعت "معنوياته" بعد التراجع الذي أصابها بفعل "التنازلات المتكرّرة"، وتجاهلها "حزب الله"، رافضًا إعطاء الرجل، والأهمّ إعطاء المنبر الذي استخدمه، أيّ شرعيةٍ مُضافة، قد تُحسَب عليه في نهاية المطاف.

قال السنيورة كلمته ومشى، لتنتهي القصّة عند هذه الحدود، فكلّ المعطيات والمؤشرات تكاد تجزم أنّ لا تداعيات لشهادة الرجل على أيّ خط، وأنّ الأمور ستبقى مفتوحة، إلى أن يقضي الله أمرًا كات مفعولا.