أسقطت المسألة اليمنية الأقنعة واستبدلت الوكيل بالأصيل، فبعد أن كانت المملكة العربية السعودية تتدخل في سورية من خلال دعم وتمويل وتسليح التنظيمات الارهابية، ها هي اليوم تستغني عن البديل وتدخل المعركة مباشرة ضدّ الحوثيين في اليمن في عملية "عاصفة الحزم" بالتعاون مع دول الخليج ومصر والسودان والمغرب والجزائر والإمارات والأردن وباكستان وبتغطية أميركية.

يهيمن الوضع اليمني على المشهد الإقليمي، ويرخي بثقله على كلّ صغيرة وكبيرة في دول المنطقة من المسألة النووية الايرانية وصولاً إلى الداخل اللبناني، وكأننا عشية تحرير الكويت من حيث إعادة رسم مسار جديد للمنطقة، فالغارات الجوية التي تشنّ ضدّ اليمن منعطف خطير قد يؤدّي إما إلى حرب إقليمية أو إلى لملمة الملفات العالقة والجلوس إلى طاولة مشتركة والعمل على إيجاد حلّ سياسي لكلّ هذه الأزمات.

ما يحصل في اليمن يصنّف في خانة الممارسات التي تخالف السيادة الوطنية لهذا البلد، على مرأى ومسمع دول العالم، من دون أيّ إدانة دولية إنما على العكس بتشجيع غربي ودولي. فما يجري تدمير للبنية التحتية ولمقوّمات الدولة الاساسية، فهو لا يستهدف المنشآت العسكرية، فالسعودية تريد من وراء ذلك تدمير اليمنيين وترهيبهم.

ما يحصل في اليمن مغامرة بالغة الخطورة ارتكبها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، وتعتبر في الميزان الاستراتيجي خطأ جسيماً، ولو كان الملك عبدالله بن عبدالعزيز حياً لكان أطلق على هذا العمل مغامرة ومقامرة، لأنّ السعودية التي شنت عدواناً على اليمن وضعت عنواناً لهذا العدوان: إعادة سلطتها وسيطرتها على اليمن، على رغم أنها تعلم جيداً أن هذا الهدف مستحيل التحقيق في الظروف القائمة، فإذا اكتفت بالضربات الجوية، فالأجواء لا تفرض سيطرة، وإذا دخلت في مواجهة برية، فإنها لن تنتصر، فكلّ الدلائل والقرائن تشير إلى أنها قد تضطر إلى الدخول في مرحلة أولى في حرب استنزاف وفي مرحلة ثانية ستدخل النار إلى أراضيها وتتأذى عيونها من دخان نار اليمن على حدّ قول رئيس لجنة الأمن القومي والسياسية الخارجية لمجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي.

أما الكلام عن أنّ التصعيد السعودي في اليمن حصل نتيجة التدخل الإيراني هو افتراء، ويجافي الحقيقة ومن يملك دليلاً واحداً في موضوع السلاح فليبرزه، لا سيما أنّ أجهزة استخبارات العالم موجودة في كلّ اليمن، فالحوثيون لديهم مشروعية ولو كانت الأوضاع عكس ذلك لما تمكن أنصار الله من التقدم خلال 48 ساعة من صنعاء باتجاه عدن، بخلاف ما روّجت له السعودية عن حساسية بين الجنوب والشمال، فأبناء الجنوب كانوا في طليعة التحرك الرافض لتقسيم اليمن.

ورجحت مصادر مطلعة لـ"البناء" أن لا يكون التدخل العسكري السعودي في اليمن فعالاً، مشيرة إلى "أن لا حلّ الا الحلّ السياسي، فجميع الدول التي تشنّ العدوان على الحوثيين تدرك ذلك لكنها لا تزال تكابر، وهي لم تتعلم من أخطائها المشابهة التي ارتكبتها في دول أخرى.

وإلى أن تتوضح الصورة في الأيام المقبلة فإنّ ما يجري في اليمن ستكون له ارتدادات سلبية على المنطقة وفي محيط اليمن في شكل خاص، إذا لم تتدارك الدول الخليجية الوضع الخطر وتنتقل إلى التهدئة والحوار، لا سيما في ظل الحديث عن أن الادارة الاميركية هي التي دفعت المملكة إلى هذا الانزلاق لترتاح من صراخها وصخبها في فترة التوقيع على الملف النووي. أما القول إنّ الحرب قد تؤجّل التوقيع، فهذا أمر معاكس للحقيقة على اعتبار أنّ توقيع الاتفاق النووي الايراني مصلحة أميركية – ايرانية مشتركة وقد لا يعبأ الطرفان بالصخب السعودي.

في غضون ذلك، فإنّ لبنان لن يكون بمنأى عن الأحداث اليمنية. واعتبرت مصادر مطلعة أنّ الوضع سيذهب إلى مزيد من التأزيم والتوتير إعلامياً من دون أن ينعكس على الحوار ورئاسة الجمهورية، على رغم أنّ امكانية التوصل إلى رؤية ما من خلال حوار حزب الله – تيار المستقبل باتت بعيدة.

وفي انتظار كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله اليوم التي سيحدّد فيها الموقف من الملف اليمني الذي سيوليه اهتماماً بالغاً في ظلّ عدوان طائرات تحالف الدول الخليجية والعربية بقيادة السعودية، مع تأكيده قرار حزب الله تحييد الحوار عن أيّ تعقيدات تهدّده، فإنّ السعودية مستمرة في الإيعاز الى حلفائها في 14 آذار ضمن غرفة العمليات الواحدة التي تديرها في لبنان وسورية والعراق بالاستمرار في التصعيد ضد حزب الله والجمهورية الاسلامية، رداً على الوضع اليمني بغضّ النظر عن مصلحة رئيس تيار المستقبل سعد الحريري في أن يستمرّ الهدوء والحوار وتهيئة الفرص لانتخاب رئيس للجمهورية الأمر الذي من شأنه أن يفتح له باب السراي الحكومية على مصراعيه.

وتشير مصادر مطلعة لـ"البناء" إلى "أنّ السعودية أصبحت لا تهتمّ لمصلحة الحريري شخصياً، وهي قد تدفع الحريري شخصياً أو خلية تخريب في المستقبل إلى تعطيل الحوار. وترجح المصادر لـ"البناء" أن يحاول الحريري أن يوزع الأدوار لجهة أن ينطق في الرياض ويطلق التصريحات بما تريده السعودية كما فعل أمس، بدعمه ما تقوم به السعودية في اليمن وتأكيده "أنّ قرار الملك سلمان بالتدخل في اليمن عسكرياً حكيم وشجاع، وأن التدخل الايراني في اليمن يقتضي ردود فعل عربية"، وان يتمسك في لبنان بالحوار من خلال مشاركة مدير مكتبه نادر الحريري، الوزير نهاد المشنوق، والنائب سمير الجسر إلى طاولة عين التينة مع ممثلين من حزب الله". وعليه فإنّ تيار المستقبل يعيش شأنه شأن 14 آذار كلٌّ يغني على ليلاَه، فالرئيس السنيورة لا يزال يراهن على التكفيريين لمواجهة حزب الله، في حين أنّ الرئيس الحريري يتخوّف من هذا المدّ التكفيري الذي يشكل خطراً على السنّة قبل الشيعة.