لا شيء في لبنان يضاهي هذه الأيام "الحماسة المفرطة" التي برزت لدى "تيار المستقبل" لعملية "عاصفة الحزم" التي أطلقتها المملكة العربية السعودية على أرض اليمن، في وجه "التمدّد ال​إيران​ي" في المنطقة. سريعًا، سقط كلّ ما كان يُحكى عن "جناحَين" داخل "التيار"، أحدهما معتدل والآخر متطرّف. "اندمج" الفريقان من جديد، وعادت "اللهجة المرتفعة" في وجه "حلفاء إيران"، وفي مقدّمهم "حزب الله"، لتطفو على السطح.

أكثر من ذلك، كان لافتاً أنّ رئيس التيّار سعد الحريري نفسه هو من قاد "الانقلاب"، كما يحلو للبعض أن يصفه، كيف لا وهو الذي سارع لـ"التهليل" بالعاصفة "الحازمة" قبل مرور ساعةٍ على "ولادتها"، لـ"يلتحق" بالركب بعده "صقور" و"حمائم" تيّاره على حدّ سواء، في مشهدٍ أوحى بتغييرٍ جوهري في موازين القوى حان أوانه..

ريبة وهواجس وأكثر..

ينطلق "المستقبليون" في حديثهم عن التحالف العربي الخليجي الذي نشأ من بوابة اليمن من المستجدّات الدولية والإقليمية التي حصلت في الآونة الأخيرة، والتي جعلتهم، كما يقول أحد نواب "تيار المستقل"، "يرتابون"، ولا سيما بعدما وفّرت الولايات المتحدة الأميركية "غطاءً" للإيرانيين في مكانٍ ما، وما تسرّب عن "إنجاز" الاتفاق الايراني الغربي، بل القول أنه سيكون على حساب "الحلفاء التقليديين" لواشنطن، وخصوصًا على حساب "محور الاعتدال".

مع كلّ جولةٍ من المفاوضات بين وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والإيراني محمد جواد ظريف، كانت هذه "الريبة" تزداد، ومع تمظهر "الودّ الفاقع" بين الجانبين، كانت "الهواجس" تتفاقم، خصوصًا أنّ كلّ ذلك، وفق النائب "المستقبلي"، لم يكن يترافق مع "مرونة" إيرانية على أيّ "جبهة"، بل كان يُترجَم تصعيدًا للموقف بل انخراطًا وتغلغلًا في أكثر من مكان.

ففي سوريا لم يعد الحديث عن "مستشارين" إيرانيين يكفي، إذ إنّ الإيرانيين باتوا هم الذي يشرفون على سير المعارك، وفي العراق لم يكن الأمر مختلفاً، بل إنّ تواجد قائد "فيلق القدس" اللواء قاسم سليماني شخصيًا في ساحات القتال فاقم الأمور. أما في اليمن وكذلك في لبنان، فإنّ الحضور الإيراني كان يزداد ثقلاً على غير صعيد، سواء من خلال جماعات الحوثيين أو "حزب الله"، بحسب النائب نفسه.

"ضربة معلم"..

لكنّ كلّ شيءٍ تغيّر اليوم في "البيئة المستقبلية"، فانقلب "الإحباط" إلى "تباهٍ"، وتحوّلت "الريبة" إلى "قوة"، و"كلمة السرّ" في كلّ ذلك هي باختصار "عاصفة الحزم"..

ولعلّ "الأسارير المنفرجة" التي يتسلّح "المستقبليون" بها هذه الأيام تكفي للوصول إلى هذه الخلاصة. برأيهم، "عاصفة الحزم" هي "ضربة معلّم" وأكثر، بعدما توسّع الإيرانيون كثيراً في ما يسمّونها مخططاتهم ومشاريعهم في المنطقة، وخصوصًا في ضوء أحلامهم "الأمبراطورية" التي لم تعد خافية على أحد، بل التي باتوا يقرّون بها دون خجل أو تردّد.

أكثر من ذلك، هم لا يعيرون "الانتقادات" التي يسمعونها هنا وهناك أيّ اعتبار. يقول أحد نواب "المستقبل" في هذا الإطار أنّها لا تعبّر سوى عن "تخبّط" الفريق الآخر و"إفلاسه"، وهو يرى في خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله "سقطة تاريخية"، فالرجل "الذي سبق أن قال أنه جندي في ولاية الفقيه، أثبت ذلك فعلاً وقولاً"، على حدّ تعبير النائب، الذي يرفض "المتاجرة" بالقضية الفلسطينية، على حدّ وصفه. من هنا، هو يرى أنّ "تشبيه" اليمن بفلسطين غير جائز، وهو يتمنى أن يأتي اليوم الذي يستطيع فيه العرب "طرد" العدو الإسرائيلي من المنطقة، سواء من خلال "عاصفة" أو "نسمة"، ولكنّ "الواقعية" مطلوبة بانتظار هذا اليوم.

وداعاً 7 أيار؟!

يشعر من يستمع لخطاب "تيار المستقبل" إزاء "عاصفة الحزم"، وكأنّ "نشوة الانتصار" قد وصلت إليه، بعد سلسلة "الخيبات المتتالية" التي تعرّض لها، بل إنّ هناك داخل "تيار المستقبل" من لا يتردّد في القول جهارًا أنّ "لعنة السابع من أيار ذهبت مع رياح عاصفة الحزم"، أو بعباراتٍ "ألطف"، أنّ "عاصفة الحزم أنهت عمليًا مفاعيل السابع من أيار.

هذا الكلام لا تستغربه مصادر مطلعة ومتابعة، حيث تشير إلى أنّ "الرهان" على "حزمٍ عربي" ليس جديدًا، لا في صفوف "تيار المستقبل" ولا في صفوف "14 آذار" بالشكل الأعمّ، وقد برزت معالمه خصوصًا بعد أحداث السابع من أيار، مذكّرة بما سبق أن كشفته وثائق "ويكيليكس" ومنها تلك العائدة لتاريخ التاسع من أيار 2008، والتي طرح فيها رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع فكرة نشر قوات عربية لحفظ السلام في لبنان عديدها 5000 جندي.

من هنا، تعرب المصادر عن اعتقادها بأنّ "تيار المستقبل" استبشر خيرًا بعملية "عاصفة الحزم" وما تلاها من إعلانٍ عن "قوة عربية مشتركة"، وهو يراهن على أنّ هذه التطورات كفيلة بتغيير ميزان القوى وبالتالي وضع حدّ للنفوذ الإيراني في المنطقة وتالياً في لبنان أيضًا، وما إصرار قياديّي هذا الفريق على أن يكون لبنان الرسمي إلى جانب العملية السعودية، في تناقضٍ واضح مع مبادئه السابقة بـ"حياد لبنان"، وكذلك مع سياسة "النأي بالنفس" التي لطالما دعمها التيار، والتي لم يتردّد نائبٌ "مستقبلي" في القول أنّها "لا تنفع" في مقاربة الملف اليمني، باعتبار أنّ مصلحة لبنان الوقوف مع العرب، وأنّ لا حياد بين "الحقّ" و"الباطل"، على حدّ تعبيره..

ملوكٌ أكثر من الملك؟!

لكنّ المصادر المطلعة تعتبر انّ هذه الرهانات "مضخّمة"، معربة عن اعتقاده بأنّ قيادة عملية "عاصفة الحزم" نفسها لم تصل في "رهاناتها" و"خططها" إلى الحدّ الذي وصل إليه بعض اللبنانيين، الذين يُشعِرون المراقب للوضع بأنهم "ملوكٌ أكثر من الملك"، بكلّ ما للكلمة من معنى..

أكثر من ذلك، فإنّ الخلاصة التي لا يمكن العبور فوقها تبقى أنّ المنطق "الاستقوائي" لا يبني "دولة" بأيّ شكلٍ من الأشكال، وأنّ على الجميع الاتعاظ من التجارب السابقة وأخذ العِبَر، وهو ما فعله "حزب الله" في السابع من أيار، بحسب المصادر، التي تلفت إلى أنه حرص على تأكيد أنها عملية محدودة في توقيتها ومكانها ودلالاتها، ولم يبنِ عليها للاستيلاء على السلطة والانقلاب الكامل على خصومه.

التواضع ومدّ الأيدي يجب أن يبقى القاعدة الأساس، لأنها وحدها تحصّن لبنان في وجه "العواصف" بل "الأعاصير"، التي تهدّده من كلّ حدبٍ وصوب!