يسجَّل في تاريخ "الجامعة العربية" أنها ثالث مرة تعلن عن تشكيل "قوة عربية مشتركة".

كانت المرة الأولى في عام 1947؛ بعد صدور قرار التقسيم، حيث تقرر إنشاء جيش التحرير بقيادة الملك عبدالله الأول؛ ملك الأردن، فتمّت في دهاليز هذه الجامعة ومؤسساتها مشاورات ومشادات حول قادة هذا الجيش وعدده وعدته، ومن المعلومات عن هذه المشاورات، أن أول ملك أردني وربيب الإنكليز أصرّ أن يكون هذا الجيش بقيادته، فكان أن صرخ رئيس أركان الجيش العربي السوري في حينه بأنه يرفض أن يكون قائداً على قسم من جنوده جاسوس أسهم في اغتصاب فلسطين، فتحوّل الأمر من "جيش تحرير" إلى "جيش إنقاذ".

كان الحماس في بداية الأمر شديداً، وهو أهمّ ما ميّز وحدات "جيش الإنقاذ" الذي تشكل من 3830 متطوّعاً، لكن هذا الحماس سرعان ما خفت مع اصطدام أحلام هؤلاء المتطوعين بأرضية الواقع المرير الذي واجههم فور عبورهم نهر الأردن غرباً نحو فلسطين، فمن صعوبات لوجستية هائلة (نقصان كبير في الذخيرة والتموين) إلى تعليمات ضبابية وفضفاضة وظروف قتال لم يحضّر لها المتطوعون البتة.

قادت كل هذه الصعوبات إلى هبوط حاد في المعنويات، وإلى عصبية في السلوك والتصرف، بحيث كان أول المعانين من ذلك المواطنون الفلسطينيون الذين فُرض عليهم بإمكانياتهم الضئيلة والشحيحة سدّ ما نقص على هذا الجيش من مؤن ومعدات لوجستية أخرى.. فكان أن تفكك هذا الجيش في نهاية الأمر، واغتُصبت فلسطين.

بعدها كان قرار "الجامعة العربية" عام 1950 بتأسيس مجلس الدفاع العربي المشترك لـ"الجامعة العربية"، الذي لم يوضع موضع التنفيذ بعد.. واعتبره "أعراب" اليوم، بمن فيهم أمين عام "الجامعة"، أنه يوضع قيد العمل في الحرب على اليمن.

وفي مآثر التدخُّل العربي يحضر ذاك التدخل المريب الذي نُفِّذ ضد السودان في 19 تموز 1971؛ حينما قام انقلاب بقيادة الرائد هاشم العطا، وحظي بدعم شعبي سوداني منقطع النظير، فكان التدخُّل العسكري الواسع الذي قاده أنور السادات والعقيد معمر القذافي، ما أسهم في إحباط هذه الحركة التي قامت ضد جعفر النميري.

وإذا كان لم يسجَّل في تاريخ هذه الجامعة منذ سبعينيات القرن الماضي أي موقف حاسم في مجرى الصراع العربي - "الإسرائيلي"، إلا أنه كان يسجَّل لها دائماً مواقف صوتية بعد انتهاء كل عدوان "إسرائيلي".

حصل ذلك عام 1978؛ حينما اجتاح العدو جنوب لبنان في 14 آذار تحت مسمى "عملية الليطاني" وحصل في حزيران من العام 1982؛ حينما اجتاح العدو لبنان حتى عاصمته.. وحصل دائماً مع كل اعتداء "إسرائيلي" أن عقدت هذه "الجامعة" اجتماعاً بعد انتهاء العدوان، ونذكّر هنا باجتماع الجامعة في مطلع شهر آب 2006؛ إبان حرب تموز، حينما شن سعود الفيصل هجومه على المقاومة في لبنان، والتي تصدّت للعدوان، فتصدى له سيد الدبلوماسية السورية وليد المعلم.

ماذا بعد؟

لنعُد إلى التاريخ القريب لهذه "الجامعة"، التي تحوّلت مع الأسف الشديد إلى أداة ضد الأوطان والشعوب العربية. ففي شهر آذار من عام 2011 جمّدت هذه الجامعة عضوية ليبيا، ودعت مجلس الأمن الدولي إلى فرض حظر جوي، فرفض هذا القرار كل من سورية واليمن والجزائر، لأنها اعتبرت ذلك مقدّمة للتدخل العسكري الأجنبي وضرب وحدة ليبيا.. فكان التدخُّل الأطلسي الواسع، وها هي ليبيا الآن في وضعها المأساوي.

ومع اندلاع الحرب على سورية، كانت جامعة نبيل العربي في مقدمة العدوان، وقادت السعودية وقطر الحرب على بلاد الشام، فاتخذت في شهر تشرين الثاني من عام 2011 قراراً بتعليق عضوية سورية في هذه الجامعة، وهي إحدى الدول الأساسية من الدول السبع اللواتي شكّلن هذه الجامعة عام 1946، لا بل إن رئيسها شكري القوتلي في حينه هو من رتّب ألقاب "القادة" الذين حضروا هذا الاجتماع، فكانت ألقاب أصحاب "الجلالة والسيادة والفخامة والسمو"..

واليوم، اليمن التي اعترضت على قرار الجامعة المشبوه الذي قادته قطر والسعودية عام 2011 ضد ليبيا وسورية، تتعرض لمحنة عربية جامعة..

ماذا بعد؟

حمى الله الجزائر التي رفضت مع سورية واليمن القرار الأطلسي الذي قادته الدوحة والرياض ضد ليبيا، وحذار من مغامرة يشترك فيها سيسي مصر، فليتذكر أن عشرات الآلاف من جنود مصر قضوا بين 1963 و1967 في حماية اليمن من العدوان السعودي على بلاد سبأ وبلقيس.

ربما هنا يجب علينا التذكير بأن الرياض تنفذ قراراً أميركياً أفصح عنه وزير الدفاع الأميركي اشتون كارتر حينما قال إن قادته العسكرينن في الكويت أعربوا عن وجوب تشجيع دول المنطقة الأعضاء في التحالف الدولي لمحاربة "داعش" للاضطلاع بمهام ما يخص اليمن، مشيراً إلى أن "ذلك سيغدو شيئاً جيداً من أجل استقرار الشرق الأوسط".