سؤالان جوهريّان يحيطان وينطلقان من خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله وبه.

السؤال الأوّل: لماذا فتح المواجهة المباشرة مع النظام الحاكم في السعوديّة، على خلفيّة الصراع في اليمن وعليه وحوله، وما هي آفاقها الاستراتيجيّة ومعاييرها الأمنيّة-السياسيّة وتداعياتها المذهبيّة والاقتصاديّة؟

السؤال الثاني: كيف ستنعكس تلك المواجهة المباشرة بين "حزب الله" والنظام الحاكم في السعوديّة على الواقع السياسيّ في لبنان، وعلاقات "حزب الله" مع "تيار المستقبل"، والتي شهدت تنفيسًا للاحتقانات الخانقة في بؤر متفجّرة في الآونة الأخيرة، وانتج ذلك مجموعة تفاهمات أمنية وسياسيّة، أدّت إلى استرخاء الساحة السياسيّة بعض الشيء ممّا أدخلها في مناخ طيب وهادئ؟ هل تتغلّب نار المواجهة على قيم الحوار ودوره العميق، أو أنّه سيحترق بتلك النار المستعرة ويدخل البلد في صراع جديد؟

في السؤال الأوّل، لقد اكتشف "حزب الله" في الصراع السوريّ، أنّ السعوديّة بطقمها الحاكم سابقًا ولاحقًا قد توغّلت في الحرب في مداها بسلوكيات مذهبيّة قاتلة، والسلوكيّات في سوريا تشعّبت بمكوّناتها حتى منذ ما قبل وفاة الرئيس حافظ الأسد، لكنّها ما لبثت ان انفجرت منذ سنة 2011، بإطار التخطيط الذي رمى إليه اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، متداخلاً بقضيّة فلسطين، من الباب السوريّ واللبنانيّ، ومتمسرحًا بدوره في العراق، وعائدًا منه إلى المنطقة ومن ثمّ نحو اليمن. لم يعد الصراع بالنسبة إلى الحزب مجرّد حراك سياسيّ تكتيكيّ خفيف وعابر. بل الصراع جوهريّ وعقيديّ برؤى استراتيجيّة بكلّ ما للكلمة من معنى مع فكر لم يذق بروحيّته وحيثيّته فكر الآخرين ويقبله، أو يعمد على استيعابهم، وفتح الآفاق باتجاه احتضانهم على قاعدة "أن لا إكراه في الدين" و"جادلهم بالتي هي أحسن". بل على العكس تمامًا إنّ هذا الفكر حطّم إنسانيّة الإنسان بحجبه الحقوق عليه، حتّى إذا ما انتهت صلاحية استهلاكه، تمّ لفظه وحرقه في الصحراء. الفكر الوهابيّ الذي هاجمه الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، ناسبًا له تورّطه في تدمير قبور الصحابة سنة 1926، ليهدّد قبر الرسول، لولا صرخة مصر والباكستان (الهند لاحقًا)، هو أساس المشكلة والصراع، وهو بمواجهة حقيقيّة مع الإسلام القرآنيّ غير المحصور في الرؤى الشيعيّة التي انبثّت في خطاب نصرالله، بل متّسع باتجاه السنّة أي الدين الحنيف، من خلال بيانات الأزهر (بعد حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة)، وإن كانت بعض الشيء خجولة، ومن دون نسيان أحاديث الشيخ ماهر حمّود الواضحة في هذا السياق المنفتح والراقي، وحديث رئيس الحكومة الاسبق سليم الحصّ الشهير منذ سنة ونيّف بتمييزه الواضح بين الإسلام القرآنيّ والإسلام الوهابيّ، الإسلام القرآنيّ المتحاور مع كل آخر والمتلاقي مع المسيحيّة المشرقيّة في مدى العروبة البيضاء، في حين أنّ الإسلام الوهابيّ من خلال "القاعدة" و"جبهة النصرة" وتنظيم "داعش" وجماعة "بوكو حرام"، يقوم بتدمير الحضارة المشرقيّة في بلاد الرافدين وبلاد الشام وفي كلّ مكان، بكلّ تجلياتها التاريخيّة التأسيسيّة وأبعادها الإنسانيّة المتواصلة مع المستقبل. بهذا المعنى صراع "حزب الله" مع المملكة وليس مع شعبها، جوهريّ وخطير ليس محصورًا بأرض اليمن وسوريا والعراق، بل هو فكريّ حتى نضوج الحلّ السياسيّ.

إنّ قاعدة الصراع، وبهذا المعنى الوارد في خطاب السيد، عقيديّة ذات أسس تاريخيّة، وترتبط بالسعوديّة واليمن، بشبه الجزيرة العربيّة، بعروبة اليمن الحضاريّة قبل الإسلام وبعده. ليس الصراع بتلك الفلسفة القائمة بين العرب والفرس، وليس واردًا تبويبه بهذا المعنى إلاّ عند المتضرّرين بالمعنى السياسيّ، من الاتفاق الأميركيّ-الإيرانيّ، ومن إطلالاته السياسيّة والعسكريّة في العراق. ففي المعطى السياسيّ الراهن المطلّ على المستقبل، تدلّ الوقائع أنّ السعوديين أٌدخلوا إلى اليمن كما أدخل صدام حسين إلى الكويت. السيناريو عينه يتكرّر في اليمن، بمعيار أميركيّ واضح مختلف عن المعيار المتّبع في العراق. الأميركيون بحسب بعض المعطيات يقدمون الدعم إلى السعوديين في الحرب، ولكن المعيارين المتناقضين والمتكاملين بماهيّة التناقض يصبّان في هدف واحد وهو إغراق السعوديين في الرمال اليمنيّة. هذا تنبّه له بعض من أفراد العائلة المالكة، في مداولاتهم، فبدا بعضهم معارضًا لـ"​عاصفة الحزم​" واحتسبها تورّطًا وإغراقًا للمملكة، وبلغت المعارضة للضربة باحتساب المراد الأميركيّ وإسقاطًا لحديث الرئيس الأميركيّ باراك أوباما لتوماس فريدمان، حدّ الانقسام الصامت، في البيت السعوديّ الواحد. فقد أعلن باراك أوباما بوضوح تام، بأن إيران ليست عدوّة، بل إنّ العدوّ الوحيد للأنظمة الخليجيّة وبخاصّة النظام السعوديّ، عدم تلقّف مطالب الشباب ودورهم، ومن ثمّ تغييب العنصر النسائي وحجبه، ألا ينطلق كل ذلك من تأثير الفكر الوهابيّ على الحراك السياسيّ الداخليّ في المملكة العربيّة السعوديّة، والانطلاقة نحو عاصفة الحزم في اليمن؟

رسم خطاب السيد نصرالله تلك الصورة بوضوح، وأظهرها بالتحليل المسهب، كأسباب موجبة للمواجهة العلنيّة مع النظام السعوديّ، من دون حجب إمكانيّة الحلّ السياسيّ. في الأساس إن "حزب الله" بحسب الأدبيات الظاهرة عنده والصادرة عنه، طالب غير مرّة بحلول سياسيّة في سوريا وشدّد عليها أكثر من مرّة قبل الدخول في الحرب، والخطاب عينه مكشوف في اليمن، بل هو مطلب أساسيّ، ولعلّ بعض الدول تشاء إنقاذ اليمن برسم حلول سياسيّة واضحة، وحتمًا إنّ الشرط الأساس أن تتوقّف السعوديّة عن قصفها. في النهاية كما أنّ موقع سوريا في الصراع استراتيجيّ لكونها بوابة لبنان والأردن، وموقع العراق استراتيجيّ بسبب قربه من السعوديّة وسوريا وإيران وتركيا، فإن موقع اليمن سوبر استراتيجي من خلال باب المندب ذلك المضيق الجامع ما بين الخليج والمتوسّط، وما بين الشرق والغرب. والمعركة استراتيجية، والحل السياسيّ بدوره ينبغي أن يكون استراتيجيًّا.

في السؤال الثاني: لبنان يبقى المدى والمحتوى لانبثاث تداعيات الصراعات على أرضه بالانقسامات السياسيّة والمذهبيّة. لم يكن الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله البادئ بالسجال، ففي لحظة هبوب عاصفة الحزم، صدرت تصاريح مرحّبة بالقرار الحكيم والشجاع للمملكة، من النواب سعد الحريري ووليد جنبلاط وفؤاد السنيورة ووزير الداخليّة نهاد المشنوق، وجاء خطاب هؤلاء (حسب ما تعتبره قوى 8 آذار) مستفزًّا بشدّة في الإشارة إلى الصراع العربيّ-الفارسيّ. الخطابان الأخيران للسيّد نصرالله جاءا كردّ واضح من دون التجريح بالفريق الآخر، ومن دون إبطال الحوار الداخليّ بين "تيّار المستقبل" و"حزب الله". السيناريو المتّبع في الصّراع السوريّ اتّبع في الصّراع اليمنيّ بانعكاسه على أرض لبنان وجوّ الحوار فيه. السؤال الموجّه من "8 آذار" إلى الحريري، لماذا يحقّ للسعوديّة أن تدخل في الصراع اليمنيّ وليس للإيرانيين أي حق بحماية من يشاءون الانتساب إلى رعايتها الإقليميّة في ظل تفكّك الحدود أمام التطرّف الداعشيّ المتوحّش؟ ما هي الأضرار التي ألحقتها إيران بالسعوديّة في حين أن وزير الخارجيّة أحمد ظريف عمل غير مرّة على فتح أقنية مع السعوديين بلطف وكياسة واضحتين والسعوديون يغلقون الأبواب بوجههم، وفي إطار التشجيع الدولي على الحوار؟ والسؤال الموجع: من موّل الحرب في لبنان وحارب بواسطة "جبهة النصرة" في سوريا والعراق؟

سيضيق أفق الحوار بعض الشيء على الرغم من استمراره. والحديث في المثلث السوريّ-العراقيّ-اليمني خلف دخان النيران وفوق رماد الأرض يشير إلى انطلاقة المنطقة باتجاه رؤى تأسيسيّة يبقى لبنان جزءًا منها. وإلى ذلك الحين، معظم الملفات في لبنان مؤجّلة حتى إشعار آخر.