ليس في رئاسة الجمهورية في الأساس ما يُضحِك رغم أن الشغور أشبه بشرّ البليّة. وليس الشغور مضحكةً وإن كان في بعض الإبكاء ضحكًا. وليس الكرسي الشاغر مثيرًا للقهقهة بقدر ما يثير اشمئزاز الباحثين عن رئيس... ومع ذلك تتحوّل الرئاسة الى نكتة.

لم تأتِ الطعنة هذه المرّة من بعض المدوّنين الساخرين أو عشّاق “المزاح الثقيل” على تويتر الذي أودى ذات يومٍ بشبابٍ الى السجن الموقّت بسبب إهانة الرئيس السابق شخصًا وموقعًا، بل من أهل البيت السياسي نفسه الذين لا ينفكّون سواء بصمتهم أم بتفوّهاتهم يأخذون حكاية الرئاسة الى فصول “ساتيريّة” هازئة.

"قريحة نكاتية"

أشبه بصورةٍ كاريكاتورية غدا الملفّ الرئاسي. يحزّ في نفوس المسيحيين كما بكركي أن يغدو الموقع المسيحي الأول في لبنان كما في الشرق الأوسط نكتةً “بايخة” على ألسنة بعض المشرّعين الذين من المفترض بهم أن يتوجّهوا باسم الشعب لملء الشغور لا أن يجلسوا في منازلهم متفرّجين وليتهم يفعلون ذلك إذ يُطلق بعضهم العنان “لقريحته النُكاتية” فيطلق عدّاده “السمِج” لأيام الشغور ولعدد الجلسات التي طار نصابُها وخرج نوابُها بخفيْ حنين، ولعلّ آخرهم نائبٌ لا يحضر تساءل (بمعنيَيْها) أمس الأول عمّا إذا كانت هناك جلسة لانتخاب رئيس أم لا. ولكن لا عتب على هؤلاء من شعبٍ نسي هو الآخر عدد الجلسات “المجانيّة” في رحلة “استعطاء” رئيس.

"مسك واجب..."

أما بالحديث عن الجلسات فتحوّلت الى ما يُشبِه السيرك الذي يقدّم العروض نفسها رغم أن المشاهدين ملّوها. تحت تلك القبّة الأمر بات شبه معروف: ينزل عشرات النواب الذين لا يلامس عددُهم النصف من فريقٍ سياسي واحد مهندمين ومعطّرين، يشتمّون هواءً نقيًا، يُطعِمون حمام ساحة النجمة، يدردشون لدقائق خمس بالأكثر ثمّ يخرجون بشعور أنهم أدوا قسطهم للعلى لأنهم حضروا. بعدها يحين وقت الطعام أو القهوة السريعة في أحد المطاعم المجاورة. أما الرئيس نبيه فيرفع ويرجئ ويحدّد... تلك الثلاثية التي يهواها ولا يمكنه إلا فعلها من باب “مسك واجب مع المسيحيين” وخوفًا من لسان بكركي وحرصًا على عدم شلّ العمل التشريعي بصورةٍ كاملة ما يُقصيه ودوره كرئيس مجلس.

كالتمام نساء الحيّ...

ما يُضحِك بعضهم يُبكي بكركي. وفي حراك الأخيرة ما يُضحِك لا ضحكة سخرية بل ضحكة قهر. العالمُ برمّته التمّ على لبنان ليساعده على انتخاب رئيس، كالتمام نساء الحيّ على حاملٍ لإخراج ابنها وتنهئتها به. في نظر الصرح الذي اضُطرّ الى الاستنجاد بالخارج، ليس في ذلك صواب ولكنه الحلّ الأخير كي لا يخسر سيّده صوابه أمام مشهديات الإهمال واللاسؤال. يبدو الأمر أشبه بنموذج خيري (استعطافي) يمنّ به الخارج على مسيحيي لبنان كي يبقوا في أرضهم. هنا يولد للنكتة مطرح، إذ يأتي مندوبو دول القرار ويرحلون وفي جعبتهم كلامٌ على اليمن والاتفاق النووي الإيراني وتلميحاتٌ عن الشغور على قاعدة “شمّ ولا تدوق".

كوميديا سوداء

قد يكون النائب وليد جنبلاط “ربّ النكت على تويتر. تلك التي تلسع وتحفر مكانها خصوصًا متى أرفقها بوجوهه المتقلّبة الباسمة حينًا والمتفاجئة أحيانًا. لا تخرج علاقة بكّ المختارة هو الآخر بالرئاسة الشاغرة من ميادين السخرية الناعمة الأشبه “بالكوميديا السوداء”. فتمسّكُ جنبلاط بترشيح نائبه هنري حلو قد يبدو قمّة النكت الرئاسيّة بالنسبة الى الكثيرين وهم العارفون بأن حظوظ الرجل معدومة (لا شبه) وأن مناورة البكّ الأكبر باتت لعبة سخيفة وورقة ضعيفة تستحقّ الرئاسة منه سحبَها ولعب ورقة أخرى أكثر تسهيلاً، رغم أن تمسّكه الظاهري بحلو لا يعقّد الأمور بقدر ما يجعل الرجل “الضحية” أضحوكة على ألسنة بعض متناوليه من “جهابذة” التحليلات والربط السياسي.

أليس مضحكًا...؟

لم يكن موقع الرئاسة وموقعُها (الإلكتروني) محطّ سخريةٍ رغم معرفة الجميع بصلاحيات الرئيس الباهتة بعد اتفاق الطائف والتي جعلته رجلاً فخريًا ما يميّزه عن الملكة البريطانية إليزابيت أنه أكثر يُفعًا منها وأنه ليس وريث عائلة مالكة بل ما يشبه ذلك “التعيين التوافقي”... بدعة ما بعد “الدوحة”. تلك الرئاسة التي تعرّضت للإهانة بشخص سيّدها السابق (ميشال سليمان) في غير مناسبة لم تُجرَح في صميم صلاحياتها يومًا، كذلك لم يُخدَش موقعُها بوجهيْه. اليوم يجد الموقع الإلكتروني نفسه مضطرًا الى إكمال عمله بتغطية أخبار رئاسة الحكومة المنوطة بها صلاحيات الرئاسة. وبالحديث عن تلك الصلاحيات، أليس مضحكًا أن “يستقتل” القانونيون على تفسيرها وأن تنتقل تلك العدوى الى الوزراء أنفسهم انطلاقاً من حكاية الصيغة التوقيعية وأبعد منها؟

نكتة "السابق"

إذا كان كل ما سبق لا يستفزّ ضحكة غير السائلين عن الرئاسة وأحوالها لقناعتهم بأن البلد “ماشي” مع رئيس ومن دونه، فإن هؤلاء لم يستطيعوا كبت قهقهتهم “اللئيمة” أمام كلام الرئيس السابق ميشال سليمان وتلبّسه عباءة “فاعل الخير” الآتي لإنقاذ الرئاسة بعدم تمنّعه عن طرح نفسه كاسم توافقي لرأس الجمهورية المقطوع. جميع هؤلاء، لا بعضهم، يفضّلون حكمًا فخامة الشغور على فخامة الرئيس السابق الناشط في ميادين ما بعد الرئاسة. أما في القصر فالدوام عاديّ وربما “الحسم ماشي” على كلّ من يتأخر خصوصًا المرأة العاملة في مجال مسح الغبار عن الكرسي “المصمود” في وجهها طوال اليوم.

شعورٌ رمادي...

لا رئيس. لا يبدو أنه سيكون هناك رئيس قريبًا رغم كلّ التفاؤل بمؤشرات “الحلحلات” الخارجية. لا رئيس إلا في نكتة “بايخة” ما عادت تُضحِك أحدًا ولا حتّى تبكيه. هو ذاك الشعور الرمادي الذي أرادوه لرافضي الشغور الأسود فنالوه عن “قرف” لا قناعة.