عجيبٌ أمر اللبناني، بدلاً من أن يستشرف الحلول فإنَّه يستشرف المشاكل، فيعرف مثلاً أنَّ هناك مشكلةً على الطريق ستقع في أيلول المقبل فيبدأ بمحاولة المعالجة، من دون أن يعني ذلك أنَّ هذه المعالجة قد تُفضي إلى الحل.

الإستحقاق الآتي في أيلول المقبل حين يبلغ قائد الجيش العماد جان قهوجي سنَّ التقاعد، التمديد له لا يكون سوى برفع سنِّ التقاعد إلى سنتين إضافيتين، ولكن هل يمرُّ المشروع؟

هناك مخرجٌ مطروحٌ ويقضي بالتمديد لعشرة ضباط، خمسة مسيحيين وخمسة مسلمين، على قاعدة ستة وستة مكرر، من المسيحيين ضابطان مارونيان هما قائد الجيش وقائد فوج المغاوير العميد شامل روكز، كما يتمُّ التمديد لضابطين أرثوذكسيين وضابط كاثوليكي.

وفي المقابل يتم التمديد لخمسة ضباط مسلمين:

إثنان سنّة وإثنان شيعة وضابط درزي.

هذا المخرج من شأنه أن يحقِّق المخرج التالي:

الخروج، ولو مؤقتاً، من لعبة المنافسة ولو لمدة سنتين على موقع رئاسة الجمهورية بين العمادين عون وقهوجي، فيربح الفريقان وقتاً إضافياً حتى أيلول 2017. وهذه المنافسة تبقى قائمة في حال إستمرَّ التعثُّر في إنتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية.

الخروج، ولو مؤقتاً من لعبة المنافسة ولو لسنتين أيضاً بين العماد قهوجي والعميد شامل روكز، على قيادة الجيش، فيتم تأجيل الإستحقاق إلى أيلول 2017 بدلاً من أن يكون في أيلول من هذه السنة.

***

لكن هل الأمور بهذه البساطة، ولا سيَّما بالنسبة إلى العماد ميشال عون؟

بالتأكيد لا، فالعماد عون ينطلق من رفضه التمديد من المعطيات التالية:

المعطى الأول أنَّه في المبدأ ضد التعيين ومع تداول السلطة سواء في المواقع السياسية أو في المواقع الأمنية والعسكرية، هذا المبدأ لا يستطيع أحدٌ الوقوف في وجهه فتداول السلطة مسألة حيوية والتمديد هو أبغض الحلال لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو:

طالما أنَّ مبدأ التمديد مرفوض فلماذا قَبِل به العماد عون حين كان الأمر يتعلَّق بالتمديد لمجلس النواب؟

ألم يكن موقفه ليكون أقوى لو أنه استقال مع كتلته النيابية من مجلس النواب حين طُرِح التمديد للمجلس؟

لو فعلها واتخذ قرار الإستقالة لكان حقَّق الخطوات التالية:

أحدث بلبلةً في الحياة البرلمانية وسابقة لا مثيل لها، ولكان دفع المعنيين إلى التعجيل في إجراء الإنتخابات النيابية بعد وضع قانون جديد له، أما وأنه لم يفعل فإنَّ تلويحه بالإستقالة من مجلس الوزراء يستلزم التنفيذ لأنه سيُحرِج حلفاءه قبل خصومه، فهل يجارونه في هذه الإستقالة أَم يبقون في الحكومة؟

إنَّ استقالة وزيري العماد عون شيء، واستقالة وزيريه ووزراء الحلفاء شيءٌ آخر، إستقالة وزيريه قد يحوِّل الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال، أما الإستقالة مع الحلفاء فلا تفرط الحكومة فحسب بل تفرط البلد بحيث نكون في بلدٍ لا رئيس جمهورية فيه ولا رئيس حكومة أو حكومة، ومجلس وزراء شبه معطَّل، فهل هذا هو المطلوب؟

أما بالنسبة إلى حكومة تصريف أعمال، فيمكن بطلب من وزير الدفاع سمير مقبل وموافقة رئيس الحكومة ووزير المالية أن يمددوا للمعنيين بالقانون وبسهولة.

***

في المحصِّلة، ماذا يمكن أن نترقَّب؟

إنَّ هذا الملف مفتوحٌ على كل الإحتمالات والمفاجآت، خصوصاً أنه يتعلَّق بالعماد ميشال عون الذي وصفه أحد الدبلوماسيين الغربيين يوماً بأنه ليس بالإمكان توقُّع فعله أو ردة فعله أي أنَّه رجل المفاجآت بإمتياز، فماذا ستكون مفاجأته هذه المرة؟

ما هو أكيد أنه سيُقدِم على خطوةٍ، من دون أن يكون معروفاً ما هي هذه الخطوة، لكن الخيارات ضيِّقة ولا تشكيلة واسعة فيها تتيح المناورة، فإما سقفٌ مرتفع من خلال الإستقالة من مجلس النواب ومجلس الوزراء، وإما إعتكاف وزيريْه في الحكومة لا يُشكل منعاً للتمديد، فلننتظر ما تؤول إليه الأمور.

***

لكن هل الأمور بهذه البساطة، ولا سيما بالنسبة إلى العماد ميشال عون؟