في المصطلح اللبناني، حين يقوم احدهم بأمر ناجح يوصف الامر بأنه "ضربة معلم". هذا القول يمكن ان ينطبق على الرئيس الاميركي باراك اوباما بعد الخطوة التي قام بها منذ يومين واعلن خلالها عن تحمله المسؤولية الكاملة عن مقتل الرهينتين الاميركي وورن واينشتاين (73 عاماً) والايطالي جيوفاني لو بورتو (39 عاماً) في كانون الثاني الفائت خلال عملية أميركية لمكافحة الإرهاب بالمنطقة الحدودية بين ​باكستان​ وأفغانستان.

في الشكل، بدا ان اوباما اوقع نفسه في حبال التشكيك والاتهام ووضع نفسه، اختيارياً، في موقع المتهم بطريقة تسيء حتماً الى ما تبقى من ولايته الرئاسية من جهة، وتقضي على حظوظ اي ديمقراطي (وفي مقدمهم المرشحة الى الرئاسة هيلاري كلينتون) في خلافته في البيت الابيض من جهة ثانية.

من سمع اوباما للوهلة الاولى، استنتج ان الرئيس الاميركي ضرب عرض الحائط بنصائح مستشاريه الامنيين ورئيس وكالة الاستخبارات الاميركية وكل من حوله الذين نصحوه طبعاً بابقاء مسؤولية واشنطن عن مقتل الرهينتين (عبر صواريخ اطلقتها طائرات دون طيار على مقر لـ"القاعدة") طي الكتمان لسنوات عديدة ومديدة، ولكنه خالفهم الرأي جميعاً وضرب ضربته.

ولكن، دعونا نلقي نظرة في المضمون على ما قام به اوباما بالفعل، اذ ان كلمته التي توجه بها الى الرأي العام، ضمّنها اعتذاره الكبير ومسؤوليته الكاملة، وهي حققت ثغرة في جدار اي اتهام قد يطاله في هذا الامر تحديداً.

وفي قراءة سريعة لكلمة اوباما ومضمونها يمكن التوقف عند التالي:

1- نجح الرئيس الاميركي في ازاحة عبء ثقيل عن كاهله باعترافه بالمسؤولية في هذه الحادثة، لان اي تسريب للامر الى الاعلام في الايام المقبلة، قد يؤثر سلباً على "انجازه" المتعلق بالاتفاق النووي مع ايران الذي بدأت توضع اللمسات الاخيرة عليه، وبدل ان يتحدث الناس عن هذا الاتفاق، سيتلهون بمباركة اخصامه، بشن حملات على اوباما لاخفائه الامر عن الاميركيين وخصوصاً ان احد الضحايا هو مواطن اميركي.

2- لعب اوباما على وتر الشفافية والصراحة والديمقراطية واظهر للاميركيين انه فضّل مصارحتهم على ان يخفي عليهم معلومات، وبالتالي فهو اعتمد الشفافية لشق طريقه نحوهم. من الطبيعي ان اوباما وغيره قد اخفوا، ولا يزالون، الكثير عن الشعب الاميركي، ولكن بمجرد ان قام اوباما بهذه الخطوة، سيذكر الاميركيون انه صارحهم مرة وسيطلبون اثباتات اكبر في كل مرة يمكن ان يتهم الرئيس الاميركي بتهمة ما.

3- لن تكون صدمة الرأي العام كبيرة على وفاة المواطن واينشتاين، فهو كبير في السن ومكث لسنوات طويلة في باكستان، وهو بمعنى آخر كان يعرف حجم المخاطر التي كانت تنتظره ولن يتأثر الاميركيون كثيراً على غيابه. وقد اتت المقالات التي نشرت عنه وعن "ال بورتو" في وسائل الاعلام الاميركية والغربية لتحولهما الى "بطلين" كونهما مكثا في باكستان من اجل الشعب الباكستاني ومساعدته، وقد دفعا ثمن ذلك، وان موتهما هو بسبب "القاعدة" وليس بسبب الغارات الاميركية.

4- ضمّن اوباما في كلمته تأكيداً على القيام بكل ما يمكن من اجل تفادي مثل هذه الحوادث في المستقبل. وهذا يعني ان وكالة الاستخبارات الاميركية ستستمر في عملها ولكن الرئيس الاميركي سيتمتع بصلاحيات اكبر واشمل في الولوج الى تفاصيل دقيقة ومعلومات يريدها، ما يعني عملياً احكام قبضته على هذه الوكالة ووضع حد لكل من يعارضه ويحاربه فيها. ولا يمكن ان ننسى ان اوباما يواجه مشكلة حقيقية في موضوع الامن اضطره الى تغيير وزير دفاعه اكثر من مرة وسط اراء تفيد بأنه يتعرض لمشكلة من لوبي امني ضاغط عليه.

5- يعرف اوباما تماماً انه لن يخضع للمساءلة القضائية او امكان رفع دعاوى عليه حتى بعد خروجه من البيت الابيض، لانه ذكّر الجميع في كلمته ايضاً، ان العملية العسكرية تمت وفق القواعد المتبعة وبعد مئات الساعات من المراقبة التي ادت الى اقتناع المسؤولين بأنهم يستهدفون مجمّعاً لـ"القاعدة" خال من المدنيين. وفي هذا السياق، لا يمكن القاء اللوم على الرئيس بصفته القائد الاعلى للجيش لان المسألة تمت وفق الاجراءات المتبعة.

لكل ما سبق والكثير غيره، قام اوباما بـ"ضربة معلم" من خلال اعترافه بالمسؤولية عن مقتل الرهينتين بعد ثلاثة اشهر على الحادثة، وهو توقيت قد يكون سببه ايضاً تخفيف اي شعور بالنقمة والغضب لدى الاميركيين.