اكّد الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية الشيخ محسن الآراكي أنّ الخلاف بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية «لم يصِل الى نقطة لا رجعة فيها»، وانّ إيران مستعدة لحوار بينها وبين دول الخليج. وشدّد على «انّ طهران تفتح ذراعيها لكل أطروحة تؤدي الى حل مشكلات العالم الاسلامي وإنهاء التفرقة وإصلاح ذات البين»، لافتاً الى انّ الأزمة في اليمن لم تصل بعد الى طريق مسدود، متوقعاً انعقاد مؤتمر حوار لحلها. «الجمهورية» التقت الآراكي، وكان هذا الحوار:

• الى أي مدى نجح مجمع التقريب بين المذاهب الاسلامية منذ تأسيسه في تحقيق مثل هذا التقريب في الوقت الذي يشهد بعض دول العام الاسلامي فتنة مذهبية لا تحمد عقباها؟

الواقع انّ لمجمع التقريب بين المذاهب دوراً كبيراً في كبح جماع الفتن، إذ إنه استطاع ان يثير همّ المصلحين في هذا العالم، وخصوصاً في العالم الاسلامي، ويدعوهم الى تأسيس مشاريع تقريبية ورفع النداء التقريبي في مختلف الدول الاسلامية، ولولا مشروع التقريب وجهود التقريبيين لرأينا العالم الاسلامي امتلأ حروباً وفتناً.

فلقد عقدنا مؤتمرات في باكستان وماليزيا واندونيسيا ومصر والعراق والجزائر وتركيا وكان لها أثر كبير في كبح جماح الدعوات التمزيقية والمفرقة. فالنار حوصِرت، صحيح انها شبّت وأذت كثيراً خصوصاً في سوريا والعراق وغيرهما، ولكنها حُجِّمت وحال المصلحون والمشاريع التقريبية دون انتشارها بحجم أكبر.

• قبل نحو سنتين ونيّف بادر الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز، في مؤتمر منظمة التعاون الاسلامي في مكة المكرمة، الى إطلاق مركز

الحوار بين المذاهب الاسلامية، هل حصل تواصل بين هذا المركز وبين المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب؟

نعم، نحن راسَلنا المسؤولين في المملكة العربية السعودية. عندما زارني السفير السعودي في طهران آنذاك في مكتبي طلبنا منه متابعة مشروع مشاركتنا في الحوار بين المذاهب الذي دعا اليه الملك عبدالله بن عبد العزيز. وقد كتبتُ الى بعض المسؤولين في العربية السعودية مؤكداً اننا مستعدون لتقديم كل ما يمكننا من إمكانات وخدمات لهذا المشروع، فقد كان مشروعاً جيداً لكنه لم يُتابَع. ولقد قلت للسفير السعودي ايضاً لو انّ السعودية تحمل راية التقريب، ونحن مستعدون للسير خلفها ونقف الى جانبها لإنجاح مشروعها لأنه في حد ذاته ضروري ويشعر بضرورته المُصلِحون.

وهنالك مثل عربي معروف يقول: «رئيس القوم خادمهم»، يعني انّ الذي يريد ان يترأس الجماهير والدول والشعوب ويقف على القمة هو مَن يقدّم الخدمات والنصائح وما يفيد مصلحة هذه الشعوب.

والسعودية تملك من الامكانات الكبيرة ما يمكنها من ان تقدّم لشعوب العالم الاسلامي خدمات كثيرة لا يقوى عليها غيرها. وقلت للسفير السعودي أيضاً إننا في مجمع التقريب لدينا مشروع لجنة المساعي الحميدة مكوّنة من علماء كبار ومفكرين يبذلون بعض الجهود لحلّ بعض المشكلات المُثارة في العالم الاسلامي ونقترح على السعودية ان تكون هي المتصدرة لهذه اللجنة التي يمكنها برئاسة السعودية معالجة الأوضاع في مصر والعراق وسوريا و​لبنان​ وبقية مناطق العالم الاسلامي.

وهذا هو الطريق لكي تكون السعودية هي الرئيس الذي لا ينازعه في رئاسته أحد، فالدعوات التقريبية هي التي تنجح لأنّ السُنّة في العالم هي أنّ الاصلاح يغلب على الفساد «لا تفسدوا في الارض بعد إصلاحها» هذه الآية القرآنية تشير الى هذا القانون.

وانّ الحالة الاساسية في هذا العالم هي حالة الاصلاح، والافساد هو حالة عارضة دائماً، والمصلحون هم الذين يبقون، والمفسدون هم الذين يزولون. ولذلك نحن ما زلنا ندعو قادة العالم الاسلامي الى إطلاق مشاريع وحدوية.

• السعوديون يقولون انّ حربهم في اليمن كان الدافع اليها انّ ايران تطّوقهم كونها تدعم الحوثيين. الى ايّ مدى يتأثر عمل مجمع التقريب بين المذاهب بالخلاف الحاصل بين طهران والرياض على قضايا المنطقة؟

هذه ايضاً من القضايا التي لا بد من أن يعاد النظر فيها. اساساً لماذا تشعرالسعودية بالتنافس مع الجمهورية الاسلامية؟ يمكن للسعودية ان تستوعب إيران لأنها بلد فيه الحرمين الشريفين وإيران ليس فيها الحرمين الشريفين.

السعودية تملك من الامكانات المادية أضعاف ما تملكه إيران، وتملك من المكانة بين دول العالم الاسلامي ما لا تملكه إيران. كل الامور التي تملكها العربية السعودية تجعلها هي الأقوى، ولم تقف إيران يوماً ما تنادي بالخلاف معها، بل تسعى دائماً لإقامة علاقات جيدة معها، ولكن الذي نجده من جانبها دائماً حالة ابتعاد عن إيران والشعور بأنّ هنالك عدواً يسمّى ايران يسعى لابتلاع دول الخليج.

نحن نعتقد انه لا بد للعقلية العربية ان ترتفع على هذا اللون من التفكير، يعني أن لا بدّ للعرب من ان يقولوا إنّ ايران هي جزء من هذا العالم الاسلامي الذي نريد ان نستوعبه ونجعله يتماشى معنا في اهدافنا العامة، وهذا ما كانت تدعو اليه ايران دائماً وتقول انّ بينها وبين السعودية وكل دول العالم الاسلامي نقاطاً مشتركة كثيرة، فلنعمل على مشتركاتنا ولنتحاور في ما نختلف فيه، ولو تمّ هذا الشيء لتكوّنَت قوة إسلامية موحدة كبرى يهابها أعداؤها، ولا تستطيع لا إسرائيل ولا اميركا ولا اوروبا ان تؤثر على قراراتها، وهذا ما يشكّل مصلحة اسلامية عامة أساسية تستطيع من خلالها البلدان الاسلامية تحقيق مصالحها وتتجنّب المشكلات والاخطار التي تهددها.

• هل تعتقد انّ الخلاف بين السعودية وايران وصل الى مرحلة اللاعودة؟

الجمهورية الاسلامية دائماً كانت أذرعها مفتوحة، حتى لِمَن عاداها. دول الخليج دعمت صدام حسين ضد ايران ومَوّلته في حرب دامت 8 سنوات وطحنت البلدين وأبادت كثيراً من إمكاناتهما، ومع ذلك نَسيت إيران كل ذلك فلا تجد في تصريحات قادَتها أيّ كلام عن رغبة بالانتقام من أحد، لقد نَسوا كل ذلك وما زالوا على هذه الحال وهذا هو المفروض، حتى في العربية السعودية لنفترض انّ ايران قامت بتصرفات عدائية ضدها فكيف ستتعامل معها في هذه الحال؟ إنّ الكبير يجب ان يتعامل مع الآخرين تعاملاً يستوعبهم.

يقال انّ «آلة الرئاسة سِعة الصدر»، اي انّ من يملك صدراً واسعاً يمكنه ان يستوعب الآخرين ويتغاضى عن عدائهم حتى ولَو افترضنا انّ هناك عداء. نحن نعتقد انّ هناك مشكلة في سياسة بعض الدول العربية، وهي انها اعتمدت على أعدائها وشككت في نيّات اصدقائها. لكن مع كلّ هذا الفضاء الاسود الذي نعيشه اليوم، نحن آملون ومتفائلون بفَجر تتبدّد فيه هذه الغيمة السوداء في العالم الاسلامي ونرى فيه بشائر الوحدة.

• يعني انّ الخلافات بين السعودية وايران لم تصل الى نقطة اللارجوع؟

في عالم السياسة والتدبير لا يمكن ان تكون هنالك نقطة لا رجعة فيها، والحكماء دائماً يرون انّ الرجوع من الطريق الخطأ هو الصحيح. ولا بدّ من أن يوجد حكماء وعقلاء يتفقون في زمن ما على انّ هنالك اخطاء ارتكبت ولا بد من تصحيحها.

• هل ترى في الأفق إمكانية لحصول حوار بين ايران ودول الخليج؟

الإمكانية موجودة وما زالت الجمهورية الاسلامية الايرانية تعلن استعدادها للحوار، وانّ ذراعيها مفتوحتان لاستقبال كل اطروحة تؤدي الى حل مشكلات العالم الاسلامي وإنهاء هذه التفرقة وإصلاح ذات البَين فيه.

• وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف كان قد نشر في بداية عهد الرئيس روحاني مقالاً في جريدة الشرق الاوسط السعودية تحت عنوان «جيراننا أولويتنا» تضَمّن مجموعة افكار، هل تصلح هذه الافكار ان تكون جدول عمل لحوار إيراني - خليجي خصوصاً انّ ايران طرحت أخيراً مبادرة لحل الازمة اليمنية؟

نعتقد انّ الازمة في اليمن لم تكن مستعصية الحل، فالحرب هي التي فاقمَتها، والازمة متى وجدت لا بد للمصلحين من التخفيف منها وتجنّب اتّباع العواطف والاحاسيس الذي تفاقمها، فالعواطف في الازمات ليست طريق الحل، وإنما العقل. ولا يأتي الحل عن طريق الغضب، هنالك حديث لرسول الله (ص) يقول فيه: «ليس منّا من لم يملك نفسه عند غضبه».

علينا ان نملك الغضب لنصِل الى الحل. السعودية غضبت على «أنصار الله» مثلاً لأنهم تصرّفوا، اي تصرف سواء كان صحيحاً او خطأ، الغضب لا يهدي الى الحل، وإنما سيطرة الانسان على غضبه وأن يفكر ويتعقّل ويحاول إيجاد طريقة لحلّ الأزمة.

كان يمكن حل الازمة في اليمن، فأنصار الله أعلنوا استعدادهم للدخول في حوار إقترحت السعودية انعقاده في الرياض فردّوا مقترحين انعقاده في مسقط. فما المانع من إقامة الحوار هناك او في أي بلد كالجزائر مثلاً؟. وفي ايّ حال لم تصل الأزمة بعد الى طريق مسدود، لكنّ الامر يحتاج ان يملك القادة وأصحاب القرار غضبهم.

• هل ترى في الأفق مؤتمر حوار لحل الازمة اليمنية؟

نرجو ان يكون كذلك.

• أين المسيحيون وما يتعرضون له في المنطقة من قتل وتشريد على يد «داعش» وغيرها من اهتمامات المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية؟ وهل للمجمع اهتمامات للتقريب بين الاسلام والديانات الاخرى ولا سيما المسيحية منها؟

الواقع انّ مجمع التقريب هو مشروع وحدوي عالمي بشري ويهتم بالتقريب بين كل ابناء البشر، ولكن المشكلات التي وجدت بين مذاهب العالم الاسلامي كانت من الضخامة بحيث أنها جلبت كل جهود مجمع التقريب اليها، لكنه لم يتوان عن بَذل الجهود في سبيل التوافق والتآلف بين كل مكوّنات العالم الاسلامي، من مسلمين ومسيحيين وحتى اليهود الذين يعيشون في العالم الاسلامي كبقية مكوّناته.

• هل تبذلون مساعي معينة في شأن حماية الوجود المسيحي في المنطقة؟

لم تكن هنالك مشكلات، أخيراً حين تفاقمت هذه المشكلات وتجاوزت حدود المذاهب الاسلامية ووصلت الى المسيحيين وأتباع المذاهب الاخرى. والآن لدينا ايضاً مشروع لتوسيع مشروع التقريب حتى يشمل المذاهب الاخرى في العالم الاسلامي.

• كيف تنظرون الى مستقبل الوضع في لبنان على مستوى العلاقات الاسلامية - الاسلامية خصوصاً والاسلامية ـ المسيحية عموماً؟

نحن نعتقد انّ الفئات المختلفة بلبنان ستتعايَش في سلام مهما كانت الازمات، لانها تمتلك عاملين أساسيين، وهما: أولاً، انّ اللبنانيين لهم صِلة بالعالم كله، هنالك حالة من الانفتاح الفكري والذهني في لبنان لا نجدها في كثير من مناطق العالم الاسلامي، وهذا الانفتاح يعين الللبنانيين كثيراً على حلّ مشكلاتهم، وإن كانت هذه المشكلات عَصيّة على الحل، فبانفتاحهم الفكري يمهّدون الطريق لحلّها.

العامل الثاني، هو تجربة التعايش بين الديانات والمذاهب وهذه التجربة كانت سلمية على مدى قرون، ما أكسبَ اللبنانيين قدرة على العلو عن المشكلات التي تثير الخلافات في ما بينهم ومعالجتها. الخطر ليس في أن توجد مشكلة، فالعالم الاسلامي كله يعاني مشكلات، وإنما الخطر في ان لا يستطيع أصحاب المشكلة التغلّب عليها. والحمد لله أثبتت التجربة الاخيرة في لبنان ما أقوله، اذ إنّ اللبنانيين اكثر تجربة واقوى من ان تَجرّهم الخلافات الى النقطة التي يتمزّقون من خلالها، فحكمتهم هي أقوى من ان يفرّق بينهم الاعلام والكلمات التي تعلو عليها الهمّة اللبنانية.

• يعني انّ التجربة اللبنانية تفيد المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية؟

لو لم تكن في لبنان هذه التجربة وهذه الهمّة لكانَ مُرشّحاً لأن يكون قمّة الحروب الداخلية، ولكن نجد انّ هناك حالة من التآلف والامن والاستقرار، ولله الحمد انّ هنالك عقلاً لبنانياً يستطيع التغلّب على المشكلات.