يشكل ​عيد العمال​ مناسبة سنوية يتم خلالها الدعوة الى اقرار حقوق العامل، فهذا العيد الذي وُلد من رحم تظاهرة عمالية في مدينة شيكاغو الاميركية عام 1886، لم يكن محبة بالطبقة العاملة بل خوفا منها ومن قدرتها على احداث التغيير في اي مجتمع متى توحدت وقررت المواجهة والتغيير. هذا في شكل العيد وتاريخه، انما للحاضر صورة اخرى وخصوصا في لبنان، اذ ان عيد العمل هنا تحول من يوم للمطالبة بحق العامل الى يوم للمطالبة بحق العمل، فالبطالة هي الموضة الرائجة اليوم.

تخرج عباس فقيه من الجامعة العام الماضي، ولا يزال حتى اليوم باحثا عن عمل ينسيه تعب سنوات العلم الطويلة. ويقول لـ"النشرة": "تخرّجت منذ عام تقريبا وكما كنت متوقعا فإن عدم انضمامي للاحزاب والزعماء هو سبب بقائي عاطلا عن العمل، وكلما اقدم طلبا لأجل العمل تحول "الواسطة" دون حصولي عليه، هذا ان لم نتحدث عن صعوبة ايجاد عمل داخل الاختصاص الجامعي الذي درسته". ويعتبر فقيه ان عيد العمال لم يعد له اي قيمة، فالتحركات التي ميزت هذا العيد عبر التاريخ لم تعد موجودة، فلا يبدي اي عامل اليوم اهتماما بحقوقه كعامل بل الاساس اصبح ان يبقى بعمله بغض النظر عن الظروف الصعبة.

أما حال رواد فليست افضل من حال عباس، فالنسبة له يجب تغيير تسمية "عيد العمال" لتصبح "عيد البطالة الشعبي" طالما ان عدد العاطلين عن العمل اكبر من عدد العاملين. ويضيف في حديث لـ"النشرة": "احمل شهادة جامعية واقدم يوميا طلبات عمل ولكن دون جدوى"، مشيرا الى ان الشعار الذي يحمله اليوم هو "أمنولي شغل (أمّنوا لي عملاً)". ويقول: "العمال الاجانب في لبنان يحتفلون بعيد العمال خاصة انهم اكثرية، وبالتالي فهذا العيد من حقهم".

وفي ظل هذا الواقع لا بد من الاشارة الى ان أزمة سوق العمل اللبناني اليوم ليست نفسها قبل اربع سنوات، فالنزوح السوري اثر بشكل كبير جدا على نسبة اللبنانيين العاطلين عن العمل. هذا ما يؤكده مدير عام وزارة العمل السابق ومستشار وزير العمل، عبد الله رزوق في حديث لـ"النشرة"، مؤكدا ان الاحداث الاليمة في منطقتنا تركت بصمات على سوق العمل واثرت على اطراف الانتاج نظرا لعدم احترام القوانين في بعض الحالات لجهة طرد عمال والاستعانة بالعمالة الاجنبية بدل العمالة الوطنية مع حرص وزارة العمل على فتح المجال امام الشاب اللبناني للعمل وان لا يكون المجال مفتوحا امام الاجنبي للعمل في الحالة التي يكون فيها اللبناني قادرا على شغل المهنة.

من جهته يقضي محمد جمول اوقاته بلعب "البليارد" وشرب القهوة، وهو الذي يساعد بادارة صالة العاب، حسبما يشير في حديث لـ"النشرة". ويقول: "لا يوجد عمل فلا انا أعمل، ولا غيري ولا كل الذين يتواجدون هنا"، لافتا النظر الى ان العمال الاجانب اثروا على العامل اللبناني بشكل سلبي في هذه الفترة، منتقدا تقصير اللبناني في هذا الاطار بحيث ان اللبناني يفضل العامل الاجنبي في كل القطاعات لانه ارخص.

ويرى محمد الذي تخرج من الجامعة حاملا شهادة في التمثيل والمسرح ان عيد العمال لم يعد للعمال أصلا فهو مناسبة رسمية هدفها سياسي فقط لا غير، مشددا على ان العمال لن يقفوا سويًا لانهم مقسمون سياسيا وطائفيا وكل عامل يعمل لمصلحته ومصلحة فئته وطائفته.

اذا، بالنسبة لفئة واسعة من الشباب اللبناني التي تعاني البطالة وقلة توافر فرص العمل المناسبة، لم يعد لعيد العمال اي معنى، وحسبما يقول عباس فقيه فإن "عيد العمال بالاساس لم يعد له قيمة ويجب ان يتحرك كل العمال للتظاهر، ولا يجوز تحويل عيد العمال من مناسبة للمطالبة بالحقوق الى مناسبة عابرة يتم التعطيل فيها فقط"، معتبرا ان "عدد العمال الاجانب في لبنان اكبر من عدد العمال اللبنانيين، وبالتالي فهذا العيد هو لهم".

وهنا يرى عبد الله رزوق "ان سوق العمل في لبنان يفترض ان يكون منظما بطريقة مختلفة، فالنزوح ووجود الاجانب بشكل كثيف ترك اثاره السلبية على المجتمع اللبناني، واصبح العامل اللبناني يشعر انه غير مقدر بعمله ولا ينال حقوقه كاملة"، مؤكدا ان وزير العمل يلتزم ويتقيد بما هو مقتنع به بحرصه على اليد العاملة اللبنانية وهو يتدخل شخصيا دفاعا عن العامل اللبناني اما بالنسبة للاعمال الخاصة باللبنانيين فهذا امر نص عليه القانون والوزارة تعمل على تطبيقه لحماية العامل اللبناني.

ويتوجه رزوق اخيرا الى العامل اللبناني بمناسبة عيد العمال، بالقول ان العمل هو ايمان بالله وبالوطن وان اخطأ صاحب العمل فالحلول موجودة سواء حبيا عبر الوزارة او قضائيا، مشددا على ضرورة وجود ثقافة عمالية في كل موقع عمل، وذلك من أجل ان يعرف العامل حقوقه وواجباته في مركز عمله، متمنيا على اللبناني ان يعمل في كل المهن اذ ان العمل لا يشكل عيبا.

ان واقع سوق العمل في لبنان لا يسمح للاحتفال بعيد العمل، فهذا العيد ابتعد كثيرا عن اهدافه، ولم تعد المطالبة بحقوق العامل اللبناني اولوية، بل المطالبة بتوفير فرص العمل للبناني هي المطلب الاساسي.

تصوير فوتوغرافي محمد سلمان (الألبوم الكاملهنا)

تصوير تلفزيوني علاء كنعان