خلص تقرير عن حالة الحريات الصحفية في الوطن العربي أصدره اتحاد الصحفيين العرب تحت عنوان "حرية ​الصحافة​ بين السلطة والإرهاب" إلى أنه بالرغم من وجود الكثير من مظاهر ومؤشرات التطور في حالة الحريات الصحفية في العالم العربي، إلا أن ثمة مجموعة أخرى من المؤشرات التي تدل وبوضوح على أن ثمة حالة من التراجع والتدهور، ومنها على سبيل المثال أن الأجور والمرتبات التي يحصل عليها الصحفيون في المجتمعات العربية لا تضمن لهم مستوى اقتصاديًا واجتماعيًا يليق بهم، وأن هذه الظروف الاقتصادية والاجتماعية الضاغطة، التي تعيشها نسبة لا يستهان بها من الصحفيين في الكثير من دول العالم العربي، قد تؤثر في درجة استقلالية الصحفيين ومدى قدرتهم على مواجهة الضغوط والإغراءات المالية.

وأشار التقرير إلى أنّ نسبة 33.3% من إجمالي القيادات النقابية قد أكدت أن التشريعات والقوانين الحالية المعمول بها في بعض دول العالم العربي لا توفر الضمانات الكافية، التي تكفل للصحفيين حرية العمل الصحفي وحرية الرأي والتعبير دون قيود، كما أنّ أن نسبة لا يستهان بها من الصحفيين في المجتمعات التي يعبرون عنها يتعرضون لضغوط إدارية ومهنية من قبل رؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف، وأن هذه الضغوط تؤثر سلبا في مدى ما يمتعتون به من حرية في التعبير عن أنفسهم وآرائهم وتصوراتهم، وفي ممارسة مهام عملهم الصحفي.

وبحسب التقرير نفسه، فإنّ عدداً كبيراً من الصحافيين يتعرضون للكثير من الضغوط، التي تمارسها عليهم المنظومة الاجتماعية، ومنظومة التقاليد والموروثات والمعايير والقيم السائدة، وهو الأمر الذي يؤثر في كثير من الحالات على درجة حريتهم في التعبير عن أنفسهم وفي ممارسة مهام عملهم، كما أنّ الصحفيين في كثير من دول العالم العربي ما زالوا يتعرضون إلى أشكال متعددة من العقوبات والضغوط والقيود، التي تتراوح بين "التوبيخ" و"الإهانة" و"التضييق عليهم في العمل"، والفصل أو "المنع الجزئي من مزاولة العمل" مرورا بالاعتقال دون محاكمة، والمنع من الكتابة، والاستدعاء من قبل أجهزة الأمن والمخابرات، والتعرض للحبس والسجن وليس انتهاء بالتعرض لأعمال القتل والاغتيالات والتصفيات الجسدية، وهو الأمر الذي يؤثر في درجة الحرية التي يتمعتون بها.

ووفقاً للدراسة، فإنّ نسبة 83.3% من المستطلَعين ذكرت أن "ضرورة الحصول على ترخيص رسمي من السلطة والجهات الرسمية"، ما زال في مقدمة القواعد والشروط اللازمة لذلك، وهو ما يمكن اعتباره تضييقا من السلطة على حرية إصدار الصحف، في وقت تأخذ فيه جميع الدول الديقراطية بأسلوب "الإخطار" وليس بأسلوب "الترخيص". كما انتهت الدراسة إلى أن نسبة 33.3% من إجمالي القيادات النقابية، قد أكدت أن الصحف في بعض المجتمعات العربية تتعرض لبعض أشكال الرقابة والتضييق عليها، سواء جاء ذلك نتيجة تدخلات جهات سياسية أو أجهزة أمنية أو حتى مؤسسات دينية في توجيه سياسات تحرير الصحف، وذكرت نسبة 83.3% من إجمالي هذه القيادات أن ثمة قوائم معروفة تحدد بعض القضايا والمجالات المحظور النشر فيها والاقتراب منها، يأتي على رأسها "المحظورات المتعلقة بالشؤون العسكرية والأمنية" والشؤون الدينية" ثم "الشؤون السياسية"، وهي نتيجة تشير في تحليلها الأخير إلى أن ثمة أشكالا من الرقابة المباشرة وغير المباشرة مازالت تمارس ضد الصحافة والصحفيين في العالم العربي وتؤثر في درجة الحرية التي يتمتعون بها.

وتوصلت نتائج الدراسة إلى أن ثمة مؤشرًا رئيسيًا آخر من مؤشرات تراجع حرية الصحف في العالم العربي، يتمثل في إصرار معظم نظم الحكم القائمة على الإبقاء على نمط ملكية الدولة وإشرافها على الصحف المملوكة لها والتدخل في شؤون إدارتها دون محاولة حقيقية لتحويل هذه الصحف إلى نمط صحف الخدمة العامة المستقلة عن تدخلات السلطة، حيث ما زالت كثير من الحكومات العربية تتدخل في الإشراف على الصحف من خلال وزارات الإعلام بها، وما زالت كثير من هذه النظم والحكومات تتدخل في الجوانب الاقتصادية والإدارية لهذه المشروعات، رغم أن ثمة قدرا كبيرا من التطور أيضا قد شهدته هذه المجتمعات، في ما يتعلق بتعددية وتنوع أنماط وأشكال الملكية المسموح بها في هذه الدول، بدءا من نمط ملكية الدولة، وملكية الشركات، وملكية الأحزاب، والملكية المختلطة، وليس انتهاء بملكية الأفراد.

إلى ذلك، أشار التقرير إلى أن حالة الحريات الصحفية في العالم العربي قد تأثرت إلى حد كبير بطبيعة الظروف والاضطرابات والتحولات السياسية، التي تشهدها العديد من دول المنطقة، حيث باتت منظومة الحريات العامة والسياسية والإعلامية أكثر عرضة للتضييق والتقييد مقارنة ببعض السنوات السابقة، خاصة السنتين اللتين أعقبتا حدوث ثورات الربيع العربي، واللتين شهدتا ارتفاعا ملحوظا في معدلات الحريات السياسية والإعلامية، يضاف إلى ذلك أن تصاعد موجهات الإرهاب والعنف المسلح، الذي تمارسه كثير من التنظيمات الإرهابية التكفيرية، في كثير من دول المنطقة، جعل الكثير من الحكومات تقدم إعتبارات الأمن الداخلي والأمن القومي، على غيرها من الاعتبارات الأخرى، وفي مقدمتها اعتبارات حقوق الإنسان والحريات العامة والسياسية والإعلامية.