عدة عوامل ساهمت في سيطرة "داعش" على الأنبار، التي تعتبر من أكبر المحافظات العراقية. أما سقوط الرمادي بيد "داعش" فكان متوقعاً، وهذا ما ألمح إليه البنتاغون، وبعد أن سقطت، وسقطت تدمر معها في سورية، يكون "داعش" قد زاد من سيطرته على مساحات كبيرة بين العراق وسورية، وعلى معبر النتف الذي يقع على مثلث الحدود السورية - العراقية - الأردنية، ما يشكّل خطراً كبيراً على العاصمة بغداد، خصوصاً بعد سيطرته على الفلوجة، ما ينذر بمخاطر تقسيم العراق.

سعت أميركا إلى تكريس الانقسام بين مكونات المجتمع العراقي، وذلك من خلال مشروع قانون تقدّمت به لجنة الخارجية في الكونغرس، وينصّ على التعامل مع "البشمركة" الكردية على أنهم جنود لدولة مستقلة، والتعامل مع السُّنة على أنهم دولة أخرى، بهدف "تقديم مساعدات أميركية مباشرة للطرفين"، لكن مجلس النواب الأميركي لم يصادق عليه.

مصادر مطلعة تقول إن هذا المشروع يحتاج إلى بعض الخطوات من أجل إنضاجه والسير به، وهو جزء من مشروع برنارد لويس الصهيوني لتقسيم الشرق الأوسط، والذي صادق الكونغرس الأميركي عليه عام 1983، على أن يتم تطبيقه من خلال سياسات أميركا "الاستراتيجية" في المستقبل.

تباطأت أميركا في دعم الحكومة العراقية عسكرياً، لكنها وعدت بتسليمها 2000 صاروخ مضاد للدبابات، لمساعدتها في الحرب ضد "داعش"، ولم تفِ بالتزاماتها العسكرية تجاه العشائر السُّنية، التي تسعى لتجهز نفسها، من أجل طرد داعش من مناطقهم، والتمهيد لإعلان دولتهم السُّنية في المستقبل القريب، فما كان من "داعش" إلا أن أحكم سيطرته على الأنبار، حيث تتعاطى أميركا معه بطريقة تؤكد فيها أنها لا تريد القضاء عليه لأن دوره لم ينته بعد.

ضغطت أميركا على الكتل السياسية العراقية لإقرار مشروع الحرس الوطني في البرلمان، وقد أتمّ البرلمان قراءته الثانية، وهو مشروع تقسيمي، يتولى بموجبه أبناء كل محافظة في البلاد حماية محافظتهم، ويكون ارتباط الحرس الجديد بالقائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء حيدر العبادي.

عملت أميركا على الحد من النشاط العسكري للحشد الشعبي، وعلى إضعافه، رغم إدراكها أن الجيش العراقي وحده لا يستطيع التغلّب على "داعش" من دون مساعدة "الحشد"، خصوصاً بعد أن أثبت نجاحه في تحرير منطقة صلاح الدين، وأن لديه الإمكانية لتحرير المناطق الأخرى التي يحتلها "داعش"، فقامت بتشويه صورته، واتهمته بأنه طائفي يقوم بقتل السُّنة وسرقة أموالهم، وتهجيرهم من بيوتهم، وهذا ما دفع بالعديد من العشائر السُّنية في الرمادي والفلوجة إلى رفض دخول "الحشد" إلى مناطقهم، فكانت النكسة بسيطرة "داعش" على الرمادي، فارتبكت الحكومة العراقية، ما دفعها إلى إعادة النظر في الآلية التي اعتمدتها لمواهجته في الرمادي، فاضطرت الحكومة وأميركا والعشائر إلى دعوة الحشد الشعبي للقتال في الرمادي، رغم تحفُّظ بعض العشائر، لأنه الجهة الوحيدة القادرة على مواجهة "داعش" والانتصار عليه، وقد حُشد لهذه المهمة عشرون ألف مقاتل، وحشدت العشائر ما يزيد عن ألف مقاتل، ووافقت الحكومة على مدّهم بالسلاح.

المراقبون يؤكدون أن على أطياف المجتمع العراقي أن تدرك خطورة ما تخطط له أميركا لمشروعها التقسيمي في منطقة الشرق الأوسط، وقد تكون بدايته في العراق، ولذلك لا بد من أن تتوحد جميع الكتل السياسية والعشائر من أجل عراق موحد يكون وطناً للجميع، وتكون المشاركة السياسية فيه منصفة لهم، ويكونوا صفاً واحداً في مواجهة "داعش"، للقضاء عليه، وتفويت فرصة تجزئة العراق على يد أميركا، لأنها استطاعت أن تفرض المناخات الملائمة للتقسيم.