لم توفر "داعش" و"النصرة" ومثيلاتهما من التنظيمات الارهابية والتكفيرية اي من الاساليب والطرق للدعاية والتشويش وترهيب الخصم وإخافته. وهي الاساليب المماثلة التي اعتمدها الحزب النازي وبعده الحزب الشيوعي الروسي والصيني والكوري الشمالي وبينهما الاحتلال الصهيوني والجيش الاميركي "البوشي". ولعل إعدام وزير الدفاع الكوري الشمالي بمدفع مضاد للطائرات لانه غفا اثناء القاء الزعيم خطابه وانه اهان الزعيم، خير دليل على ان سياسة التخويف احياناً تحسم نصف المعركة. وعليه برعت "داعش" و"النصرة" بشكل محدد في ترهيب المعارضين في الاوساط التكفيرية ولاستمالة كل واحد من التنظيمين انصار الآخر وإجباره على تقديم الولاء والطاعة والبيعة. ووفق خبراء في علم الدعاية العسكرية وإنعكاسها على الميدان فإن اكثر من نصف البادية والمناطق الحدودية في سورية سقطت في أيدي التكفيريين لسببين اساسيين: إما انهيار القوات السورية النظامية المدافعة تحت الضغط العسكري الهائل والقوات الكبيرة المهاجمة وهي قليلة العدد ومحاصرة منذ اشهر طويلة على غرار جسر الشغور والمستشفى العسكري فيه وتدمر، او ان تسليم المدن جاء من جهات محلية داخلها إما متعاطفة مع "داعش" و"النصرة" او تخشاهما معاً وتريد ان تكون بمنأى عن بطشهما واجرامهما.

ومن سورية الى لبنان وخلال عامين أحكم ارهابيو "النصرة" وبعض فروع القاعدة سيطرتهما على عرسال وجرودها بفعل تعاطف عائلات معروفة في البلدة بانتمائها الاسلامي المتشدد، وكانت تتعامل مع النظام السوري وبعض اركانه الفاسدين لتهريب السلاح والمازوت عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية وتبيعه في البلدين اي سورية ولبنان وبتغطية من هؤلاء. وبعد بدء الازمة السورية وسيطرة التنظيمات الارهابية على حمص والقصير ومعظم الجهات الحدودية في القلمون والزبداني، استمر عمل هؤلاء المهربين وازدادت تجارتهم وبقيت "البقرة الحلوب" تدر عملة صعبة وبارقام كبيرة. ويقال في عرسال ان المساعدات الخليجية التي كانت ترسل الى مخيمات النزوح السورية في البلدة والى عشرات العائلات التي تستضيف سوريين في بيوتها كانت "تقرصن" بطريقة ما. ويعاد بيعها الى التنظيمات الارهابية بمبالغ كبيرة وحتى ان بعض "العراسلة" يذهبون بعيداً في القول ان مبالغ مالية كبيرة كانت تصل تباعاً من دولتين خليجتين كبيرتين تحت عناوين إغاثة النازحين وتحسين ظروف معيشتهم كانت تسلم باليد من المهربين الى قادة المجموعات الارهابية وهذا ما كشفته اعترافات بعض الموقوفين الذين يحاكمون اليوم امام القضاء العسكري.

وعلى بعد ايام من التغييرات الدراماتيكية المتوقعة ان تجرى في عرسال وجرودها، يبدو المشهد العرسالي مغايراً لما كان عليه قبل دخول الجيش اللبناني الى البلدة وبعد الإعتداء عليه وخطف العسكريين في 2 آب الماضي، حيث ضاق العراسلة ذرعاً بممارسات التكفيريين وما قاموا به من تجاوزات وانتهاكات من قتل وخطف وسرقة ونهب في البلدة لا يمكن ان يُصبر عليه او يطاق.

وفي السياق يشكل بعد غد الاثنين محطة "مفصلية مفترضة" في عمر إنتهاء مرحلة إحتلال الجرود وترك التكفيريين يسرحون ويمرحون تارة عبر اسطورة بطولاتهم وتارة اخرى عبر تحصينهم بصرخات تيار "المستقبل" ونداءات رئيسه سعد الحريري الشهيرة وكأن عرسال هي "قلعة سنية" والدخول اليها ولو كان من الجيش اللبناني، فعرسال تاريخياً لم تكن الا قلعة من قلاع العروبة والمقاومة والعلاقة الحسنة مع سورية. ولم يدع اهلها يوماً انها للسنة ويمتلك فيها تيار "المستقبل" والسعودية حقوقاً حصرية او صك بيع مبرأ الذمة ومدفوع كامل الرسوم، فاللعب على وتر الفتنة السنية-الشيعية وإذكاء هذا الوتر مضر ومسيء للمستقبل واهالي عرسال قبل محيطهم البقاعي او "حزب الله" وباقي ممثلي الطائفة الشيعية.

دخول الجيش الى بعض احياء عرسال الداخلية امس وامس الاول وتسييره دوريات ارخى بجو من الارتياح وهو وفق مصادر وزارية نصف الطريق نحو إنتهاء ازمة عرسال وجرودها وتعتقد المصادر ان "المستقبل" وباقي قوى 14 آذار الممثلة في الحكومة مطالبة بموقف واضح وترجمة فعلية لقرار حسم الجيش معركة عرسال اليوم قبل غد لان الوقت ينفد والمقاومة والجيش السوري انهيا استعدادتهما لعملية خاطفة وسريعة فجرود عرسال هي جزء من الحرب المفتوحة التي بدأت ولا احد يعرف كيف ومتى واين تنتهي.