... أما وقد خرج التخاطب بين حزب الله والسعودية من صندوق الحياء وتلافي التسميات ودخل مرحلة جديدة منذ قرّر السيد حسن نصرالله الإشارة بالإصبع الى آل سعود، لم تعد هناك حاجةٌ الى ترقيع الخلاف الاحتقاني بين المملكة التي ينطق باسمها في لبنان "المستقبليون"، وحزب الله الآخذ في التوسّع عكسريًا في الساحات المجاورة.

لا تقف الحكاية بين أرض السنّة في الشرق الأوسط والكتلة الشيعية الأكبر في المنطقة -بالنظر الى أن حزب الله امتدادٌ لمشروع إيراني توسّعي- عند حدود انفجارٍ ثانٍ يهدّ مسجدًا شيعيًا على رؤوس المصلّين في المملكة ويتبناه تنظيم "داعش"... ولا هي حكاية "قلوب مليانة" لا يجوز تطبيق توصيفها على صراع دولة وحزب. جلّ ما في الأمر حديثًا أن بين الطرفين طرفًا ثالثًا ما هو إلا "داعش" الذي يستغلّ "التخبّط" السعودي لإذكاء الخلاف.

التاريخان يفرّقان

إذا أراد حزب الله والسعودية تجاوز التاريخ غير "المشرّف" بينهما، فإن التاريخ القريب لا يجعل علاقتهما أفضل حتى في غمرة التقارب الأميركي-الإيراني حول الملف النووي. كثيرةٌ هي العناصر التي تضافرت في الآونة الأخيرة لتصدّع بيتًا لم يجتمع يومًا الحزب والسعودية تحت سقفه إلا من خلال خلايا محليّة مصغّرة آخرها وأكثرها جلاءً اللقاءات الفارغة التي تجمع أبناء حارة حريك بأبناء بيت الوسط في عين التينة. أما أبعد من هذه المشهديات اللبنانية الضيّقة فأزمة سورية التي كانت نقطة التحوّل في العلاقة بين الحزب والمملكة أقلّه لجهة تجرّؤ الفريقين على اتهام بعضهما بالاسم، وما بعدها الساحة اليمنيّة التي حملت مزيدًا من التشقّقات في العلاقة، وصولاً الى تصنيف السعودية قياديَّيْن في حزب الله ضمن قائمة الإرهاب. وما بين كلّ هذه الأحداث استهدافٌ لمسجديْن شيعيَّيْن.

ما لا يُقال

في الأمس، وغداة التصنيف الذي أشعل كواليس حزب الله ودفع أحد وزرائه الى الردّ بقسوة واصفًا المملكة بمصدّر الإرهاب الذي لا يحقّ له أن يصنّف الإرهابيين، تلقّى شيعة السعودية صفعةً دمويّة جديدة بتوقيع "داعش". صفعة تجسّدت في تفجير انتحاري استهدف مسجدًا في الدمام بعد أقل من أسبوع على استهداف مسجدٍ في القطيف. في لبنان، يعلم حزب الله بقادته وأنصاره في قرارات أنفسهم أن المملكة لا يمكنها أن تُقدِم على عمل مماثل ركونًا الى حقيقتين: أولاً سيكون موقفها ضعيفًا والأصابع ستُوجَّه اليها مباشرة وهو ما لا يناسبها، ثانيًا لأن المملكة لا تفجّر بيوت الله على رؤوس المصلّين وهي أرض الصلاة. ومع ذلك، وعندما يدخل الشيطان في التفاصيل، تتّضح صورة تعويل الحزب على موقف المملكة الضعيف إزاء هذين التفجيرين الإرهابيَّين خصوصًا أنهما استهدفا الطائفة الشيعية حصرًا وأتيا بمثابة ردٍّ على أرضها على تدخّل المنظومة الشيعية في ميادين لا شأن لها فيها كسورية والعراق.

قرارٌ بعدم إجهاضه

يعلم الحزب جيدًا أن المملكة ليست على أتمّ ما يُرام وهي التي تتخبّط داخليًا بالتغييرات الهيكلية المفاجئة قبل أن تنهكها الساحة اليمنية وقبلها الخيبات في سورية. تمامًا كما تعلم المملكة أن الحزب ومعه الجيش السوري يحققان بعض الإنجازات ولكنهما في المقابل يخسران معارك استراتيجية. كلّ ذلك من دون أن يتأثر الحوار بين حزب الله والمستقبل والذي بات واضحًا بأن هناك قرارًا بعدم إجهاضه لإبقاء الساحة اللبنانية في منأى عمّا يحدث في الجوار أقله أمنيًا.

يؤكد الباحث اللبناني والخبير العسكري والاستراتيجي العميد أمين حطيط لـ “​صدى البلد​” أن "حزب الله والسعودية فريقان ينتميان الى محوريْن متصارعين. فالمملكة تنتمي بوضوح كلّي الى المحور الذي تقوده أميركا والذي يهدف الى إرساء السيطرة الأميركية على منطقة الشرق الأوسط، وتستفيد هي في المقابل بالبقاء على عرش العالم الإسلامي باعتبارها الأب الراعي لكل العالم العربي. في المقابل ينتمي حزب الله الى محور المقاومة الذي يهدف الى إنشاء منظومة إقليمية تتمتع بالاستقلالية والسيادة". ويردف: "في المباشر، دخلت السعودية الى الحرب في سورية من أجل إسقاطها أولاً ومحور المقاومة تاليًا، إذ اعتبرت بعد فشل تجربة الإخوان أنها مسؤولة عن خطّة بندر الوهّابية، وبالتالي تنظر اليوم الى أنه لولا دخول حزب الله على خطّ دعم الرئيس بشار الأسد لنجحت خطتها، وهو ما دفعها الى شنّ حربٍ على حزب الله. هنا أصل الخلاف أي في صدام الخيارين في سورية، ومع ذلك لم يصل الصراع بين المملكة وحزب الله حدّ المواجهة المباشرة التي ولدت بعد الأزمة اليمنية"... ولكن ماذا تبدّل بين الساحتين حتى يستعر الخلاف؟ يتلقف حطيط: "في سورية كانت السعودية تعمل خلف أقنعة وبقفازات، أما في اليمن فسقط القناع وأعلنت تدخّلها بعلانية".

"داعش" يستفيد

ما الرابط الصريح بين خلاف الطرفين والتفجيرين الانتحاريّين اللذين استفزّا المنظومة الشيعية في المنطقة وبنوع خاص حزب الله؟ يجيب حطيط: "أولاً لا بدّ من إسقاط الربط بين توتر الفريقين والتفجيرين الأخيرين، إذ لا يمكن التلميح حتى الى أن السعودية تفجّر مساجد الشيعة. القصّة أبعد من ذلك، وأنا أقول إن تنظيم داعش يستفيد من الوضع القائم والوهن الذي بدأ يصيب الجسم السعودي المُعتلّ من الناحية الأمنية ركونًا الى فشله في الحدود ما أدى الى اهتزاز الداخل، وبالتالي استغلّ داعش هذا الواقع لإذكاء الصراع بين شيعة السعودية والحكومة، وهو ما يصبّ في مصلحة التنظيم الذي وإن كان أصله وهّابيًا إلا أنه انقلب على الوهابية التقليدية (القاعدة) وبات هو يمثّل الوهابية الجديدة التي لا تعترف بشرعية حكم السعودية".

اسمان لا أكثر

إذاً، ليس خليل يوسف حرب ومحمد قبلان سوى اسميْن قررت المملكة الردّ عبرهما على الخطابات التهجّمية التي تضعها في حلقة دعم الإرهاب. تعلم جيدًا أن قصّتها مع حزب الله ستطول... ستطول الى أن يفنى الديب ويموت الغنم... الى أن تنتهي في سورية لصالح أي طرف. الى أن تخمد النار الحوثيّة في اليمن. الى أن تسقط مفاعيل الاتفاق النووي وتطمئن المملكة الى أن إيران لن "تتعنتر" عليها سياسيًا وعسكريًا وحتى اقتصاديًا.