عُقد الأسبوع الماضي في المنطقة الشرقية لقاء بين أسر السجناء وبعض مسؤولي جهاز المخابرات السعودي. أعلن ممثلو الحكومة السعودية في هذا اللقاء موجهين خطابهم إلى أسر السجناء- وبلحن يشوبه حالة من التهديد، أن "داعش" قد حذرت السعودية من أنها سوف تقوم بقتل كافة السجناء من الشيعة. كما أكد كذلك مسؤولو المخابرات السعودية في هذا اللقاء، قائلين: "إننا غير قادرين على توفير الأمن للسجناء في مواجهة داعش، وأنه في حال حدوث أي حادثة للأشخاص المسجونين، فلن تكون الحكومة السعودية مسئولة عن ذلك". أعلن ممثلو الحكومة السعودية رداً على السؤال الذي وجهه إليهم وهو: "لماذا لا تقوم الحكومة السعودية بحماية السجناء في مواجهة داعش؟" قائلين: "إننا سوف نبذل ما في وسعنا، لكننا ليس لدينا القدرة على مواجهة داعش". لقد أصبح هذا الخبر ذريعة لنا لنتناول بعض أنشطة جهاز المخابرات السعودية في فترة حكم الملك سلمان.

لقد استطاعت حكومة المملكة السعودية في الأعوام الماضية إحكام سيطرتها على مناطقها الداخلية –خاصة المناطق الشرقية التي يقطن بها الشيعة- وذلك من خلال خلق آلية شرطية وأمنية، وبالتزامن مع التحولات الأخيرة في المنطقة وخاصة مع إعتداء المملكة السعودية على اليمن؛ ظهرت بعض الشواهد والعلامات على وجود أزمة في هذه المناطق. لقد جعلت هذه العلامات المحللين يواجهون شكوكاً وأعتبر الكثيرون منهم أن جهاز المخابرات والأمن السعودي يلعب دوراً في هذا الأمر. من بين النقاط المهمة التي توضح الدور الذي تلعبه المملكة السعودية خلف ستار تهديدات داعش –القائمة على اقتحام واحتلال سجون المناطق الشيعية- يمكن الإشارة إلى النقاط التالية:

1- تشير رسالة "داعش" في ما يخص اقتحام سجون المنطقة الشرقية إلى أن حكومة هذا البلد لم تكن لديها القدرة على السيطرة على الأزمات الداخلية، ومن ناحية أخرى فإنها تفيد تعاون وتنسيق الجهاز الأمني لهذا البلد مع "داعش"، حيث أن التحولات الأخيرة في اليمن والخوف من انتقال الأزمة إلى هذه المنطقة، جعل السعوديين يشعرون بالقلق.

2- سلسلة الانفجارات التي وقعت في مساجد المناطق الشرقية، والتي تزامنت مباشرة مع إعلان "داعش" مسؤوليتها عن هذه الانفجارات. إن وجود مسؤولين سعوديين رفيعي المستوى في هذه المناطق يمكن اعتباره نوعا من اللعب الدعائية. إن اختراق "داعش" لمناطق الشيعة وخلقهم اضطرابات بها، ومواساة الحكومة المباشرة للشيعة ومشاركة ممثليها في مراسم تشييع الجثامين وتقديم الوعود بإعادة إعمار المساجد والمناطق التي تم تخريبها، كل هذا يبدو في أكثر الحالات تفاؤلاً نوعاً من اللعب الدعائية.

3- إن رفض الحكومة السعودية لتشكيل حشود شعبية هو أحد المتغيرات التي يتم دراستها. إن تكوين نواة للحشد الشعبي في المنطقة الشرقية سيشكل وفقاً لرؤية الحكومة أحد التحديات والتهديدات المستقبلية للنظام السعودي، لذلك فقد عارضت الحكومة مثل هذه التنظيمات بشدة، حتى أن النظام السعودي قد حذر من اتخاذ منهج قسري وترهيبي ضد مثل هذه التنظيمات.

4- إعدام الشيخ نمر باقر النمر: يشير تاريخ الاجراءات السياسية والأمنية في فترة حكم الملك سلمان إلى أن السعودية كلما أرادت أن تقدم على اتخاذ إجراء خاص، فإنها لا تتورط فيه بشكل مباشر. كما تشير الشواهد إلى أن الإعدام المحتمل للشيخ نمر سيكون مصحوباً بردود فعل على عدة مستويات:

أ- المستوى الداخلي وخاصة حدوث حالة من الالتهاب بين شيعة المنطقة الشرقية.

ب- المستوى الإقليمي: رد فعل القوى الإقليمية والمنظمات الإنسانية والمدافعين عن حقوق الإنسان.

ج- المستوى الدولي: رد فعل القوى الدولية، والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان، والجماعات الليبرالية.

بناء على ذلك، يمكن القول بأن بيان الحكومة السعودية المبني على احتمال اقتحام "داعش" لسجون المنطقة الشرقية؛ يمكن أن يكون سيناريو من جانب الجهاز الأمني السعودي، يترتب عليه اقتحام مخطط للسجن الذي يتواجد فيه "الشيخ نمر" وتصفيته باسم "داعش"، ثم إيهام الرأي العام بأن "داعش" هي عدوة للنظام السعودي.

لقد وقع حادثان في السعودية في الشهرين الماضيين يستحقان التفكير ضمن هذا الإطار. الحادث الأول هو اعتقال ما يقرب من 80 عضواً من جماعة "داعش" في "القصيم" وبالقرب من مدينة "الرياض" وإعدامهم، وذلك قبل ليلة واحدة من إقالة "مقرن بن عبد العزيز" من ولاية العهد، والآخر هو تسريب صوتي نشره المغرد السعودي "مجتهد" تحذر فيه قوات الأمن السعودية عناصرها قبل انفجار مسجد الإمام الحسين في مدينة "الدمام" من الاقتراب من هذه المنطقة. والآن يجب أن نطرح هذا السؤال: هل الحكومة السعودية لديها القدرة على إلقاء القبض على عناصر "داعش" في المناطق السنيّة وبالقرب من الرياض فقط، بينما تعجز عن ذلك في المناطق الشرقية؟

إن نشر التسريب الصوتي لمكالمات قوات الأمن السعودي قبل انفجار مسجد الإمام الحسين في الدمام يوضح أيضاً للجميع أن هذا العمل سيمهد لإزاحة زعماء الشيعة -بذريعة تهديد "داعش"- وجذب الرأي العام في المناطق الشرقية.

إن السؤال المطروح الآن على ساكني المنطقة الشرقية هو: هل الحكومة السعودية بكل هذه الأنشطة الجاسوسية، لا تستطيع حقاً السيطرة على "داعش"؟ لماذا الحكومة السعودية التي تدعي بأنها تكتب وصفة العلاج لمواجهة الإرهاب في سوريا واليمن والعراق، تعجز هذه المرة عن مواجهة الإرهاب على أراضيها؟