تنشغِل الأوساط السياسية في جانبٍ مِن اهتماماتها في هذه المرحلة بالاستطلاع ـ الاستفتاء الذي اقترَح زعيم «التيار الوطني الحر» النائب ميشال عون إجراءَه لتحديد الشخصية السياسية الأكثر تمثيلاً عند المسيحيين، ومن ثمّ انتخابها رئيساً للجمهورية.

يثير هذا الاستطلاع ـ الاستفتاء في كلّ الأوساط اللبنانية السياسية والشعبية تساؤلات حول إمكانية إجرائه، وتالياً إمكانية ترجمةِ النتيجة التي سيُسفِر عنها عَملياً في غياب التوافق الوطني حتى الآن على انتخاب رئيس الجمهورية الذي يُفترَض أن يختاره التنَوّع الوطني لا الطائفي فقط، مشفوعاً بدعمِ الجهات الإقليمية والدولية الراعية أو المؤثّرة التي اعتادَ اللبنانيون على تدَخّلِها الدائم في كلّ استحقاقاتهم الدستورية، وعلى رأسِها الاستحقاق الرئاسي.

وهذا الاستطلاع ـ الاستفتاء الذي كلّفَ عون أمينَ سرّ تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ابراهيم كنعان تسويقَه لدى القيادات والأحزاب والكتَل النيابية والمرجعيات السياسية والدينية المسيحية، يأتي بمثابة ردٍّ غيرِ مباشر على طروحات بعض القوى السياسية، وربّما بعض الجهات الإقليمية والدولية، التي تدعو المسيحيين إلى التوافق على موضوع الاستحقاق الرئاسي بما يمَهّد إلى توافق وطني لبناني عام على انتخاب رئيس الجمهورية المسيحي الوحيد في العالم العربي المهدّد بالزوال تحت وطأة ما يتعرّض له المسيحيون من قتلٍ وتهجير وتشريد على يدِ تنظيم «داعش» وأخواته في ضوء الفتنة المذهبية التي تضرب هذه الدولة العربية أو تلك مشرقاً ومغرباً.

وعلى الرغم مِن أنّ هذا الاستطلاع لم يَحظَ بتأييدٍ شامل وواضح لدى غالبية القوى والمرجعيات المسيحية التي فوتِحَت به، فإنّ عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع يبدوان الأكثر حماسةً لإجرائه، فيما اشترَط زعيم تيار المردة النائب سليمان فرنجية أن يكون هذا الاستطلاع لبنانياً شاملاً وشفّافاً ولا يقتصر على المسيحيين وحدَهم، وأن تتولّى إجراءَه شركات استطلاع متخصّصة عدّة، مؤكّداً مسبَقاً أنّه لن ينتخبَ جعجع في حال حلَّ في المرتبة الأولى بنتيجة الاستطلاع.

فيما لم يبدِ حزب الكتائب برئاسة النائب سامي الجميّل تأييداً واضحاً لهذا الاستطلاع، إذ إنّه يَجد في التلاقي الحاصل بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» ما يضعِف تمثيلَه السياسي والشعبي في الشارع المسيحي.

أمّا البطريركية المارونية فإنّها تتعاطى بمرونة مع الفكرةِ، وجُلّ هَمّها هو تلاقي القيادات السياسية المسيحية على قواسمَ مشتركة لإنقاذ الاستحقاق الرئاسي وتالياً حماية موقع الرئيس المسيحي الوحيد في العالم العربي من خطر الاندثار.

ولكنّ السؤال المطروح في كلّ الأوساط حالياً هو: هل سيَحصل هذا الاستطلاع ـ الاستفتاء والذي يصِرّ بعضُ مؤيّديه على أن يتمّ «تحت سقف الدستور»؟

يشَكّك قطبٌ سياسيّ كبير في إمكان حصول هذا الاستطلاع ـ الاستفتاء لاعتبارات كثيرة ستَظهر تباعاً، ويرى أنّ عون ارتكبَ خطأً سياسياً كبيراً في حقّ نفسِه عندما اقترحَه، بل إنّه خَفّضَ به مِن «عُلُوِّه» التمثيلي في الشارع المسيحي، «فإذا سُئل أيّ فتى في لبنان، مسيحياً كان أم مسلِماً، مَن هو الزعيم المسيحي الأكثر تمثيلاً بين الزعماء المسيحيين، يجيب تلقائيا إنّه عون، ما يَعني أنّ الأخير ليس في حاجةٍ إلى مثلِ هذا الاستطلاع لتأكيد أرجحيةِ زعامتِه أمام الآخرين».

ولذلك، يضيف هذا القطب، أنّ الاستطلاع لن يقدّمَ لعون «الملك» أيَّ قيمةٍ مضافة إلى حجمِه التمثيلي الكبير مسيحياً، وأنّ المستفيد الأوّل منه سيكون جعجع الذي سيُصبح «وليّ العهد»، بحيث يَرِث «مُلكَ» عون وحدَه بلا منازع.

ويلفتُ هذا القطب إلى الموقف الذي أعلنَه فرنجية الذي أيَّد الاستطلاع وتعاطى معه وكأنّه مشروع يَحتاج إلى شركات تخطيط ودراسات، وذلك عبر اقتراحِه أن تتولّاه مجموعة شركات استطلاع، ومؤكّداً مسبَقاً أنّه لن ينتخبَ جعجع، فيما هو يدرك جيّداً أنّ حليفَه عون هو الأوسَع تمثيلاً مسيحياً.