كان لافتاً ما ذكره الاميركيون بالامس لجهة النجاح في اجتذاب عشائر سنية لقتال "داعش"(1). اما اللافت في الموقف فهو سببان: الاول هو تفعيل الاميركيين للخطوة التي كانوا اعلنوا عنها منذ فترة غير قصيرة، والثانية انها تأتي في وقت حرج بالنسبة اليهم.

لا يختلف اثنان على ان الاميركيين يمسكون بزمام الامور في المنطقة او على الاقل يتحكمون بمسار الاحداث بغالبية شبه مطلقة، وهم حين اعلنوا الحرب على "داعش"، كانوا على ادراك تام بأنها لن تأتي غايتها وانها خطوة مرحلية فقط. لذلك، عندما بدأت الخطوط الحمراء تسقط في اكثر من بلد على يد "داعش"، كان الامر بمثابة تفلت هذا التنظيم الارهابي من كل قيد ودنوّه بالتالي، من حيث لا يدري، من نهايته.

المكاسب الميدانية على الارض التي يحققها التنظيم الارهابي، وعلى عكس ما يراه البعض، لا تعكس نجاحاً لمستقبل هذا التنظيم، لانها تزيد من خطورته كأمر واقع قد لا يمكن التعاطي معه مستقبلاً وفقاً لما هو مرسوم او موضوع للمنطقة.

من هنا، يمكن فهم "الخروقات" التي يعاني منها "داعش" بين الحين والآخر من خلال انقلاب بعض الاعضاء، او تمرد البعض الآخر، او ظهور منظمات ارهابية اخرى (بصورة اريدَ لها ان تكون ملطفة اي اقل ارهابا من "داعش") تناصبه العداء وتحاربه في مناطقه...

وليس سراً ايضاً ان القضاء على "داعش" يتم عبر امرين لا ثالث لهما: اما اعتماد المواجهة مع قبائل او منظمات شيعية (كما يحصل في العراق وسوريا)، او خلق منظمات وعناصر سنّية تتولى محاربة هذا التنظيم. والواقع ان الحل الاول اثبت جدواه، ولكن ليس من الممكن السماح باستمراره نظراً الى حساسية المنطقة ذات الغالبية السنية (دول الخليج، والدول العربية المحيطة)، ودخول "الخزان الشيعي" على الخط، اي ايران، يسبب قلقاً لانظمة هذه الدول وشعوبها لان الصراع السني-الشيعي ليس مستحدثاً وهو لم ينته، ويتجدد كل فترة.

والاعتماد على الشيعة نجح في الحد من تقدم "داعش" وابقائه ضمن الخطوط الحمراء الموضوعة، ولكن اصرار التنظيم الارهابي على الامتداد اكثر فأكثر، الزم الدول الكبرى وفي مقدمها الولايات المتحدة على اعتماد الحل الثاني والذي كان الورقة الاخيرة لانه يعلن بدء أفول نجم "داعش"، اي بداية العد العكسي لانهاء هذا التنظيم بصيغته واسمه وصورته الحالية.

وعلى مشارف الاتفاق النووي الشامل مع ايران، وما يعنيه من تغييرات سياسية كبيرة ستشهدها المنطقة، كان لا بد من مواكبة هذا الامر مع تغييرات ميدانية، واولها بدء عملية التخلص من "داعش". لم يكن احد يتوقع ان يكون لهذا التنظيم الارهابي "دولته" او اسس الاستمرارية، ولكنه ادى دوره في خلق الاجواء المؤاتية للتغييرات التي كان يجب ان تحصل، وكان الجميع ينتظر الاعلان عن ساعة الحسم ولو بصورة مبهمة، وها ان الوقت قد حان.

ان بروز قبائل ومنظمات سنّية "تنهش" "داعش" من الداخل يعني بداية نهايته، ولكن من الطبيعي الا تكون هذه النهاية بشكل سريع، فهناك مرحلة انتقالية يجب خلالها ابراز منظمة او مجموعة يمكنها ان تحل محل "داعش"، انما بصورة مغايرة لجهة الممارسات، وانها صالحة للتفاوض معها وتوليها مسؤوليات عملية وميدانية وخارجة عن مبادىء "التطهير العرقي" و"التكفير"، اي بمعنى آخر يمكن مجاورتها دون القلق على المصير.

لا يعرف احد المدة التي ستستغرقها المرحلة الانتقالية، وهي قد تطول او تقصر وفقاً لمعطيات سياسية وميدانية، ولكن المؤكد ان عقارب الساعة بدأت تتحرك نحو الاعلان عن نهاية التنظيم الارهابي، فيما ستحدد هوية البديل في وقت لاحق لن يطول.

(1)بتاريخ 3/7/2015، نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤولين اميركيين قولهم ان "نحو 400 جندي أميركي يعملون حاليا في الانبار ويتواصل بعضهم مع زعماء العشائر السنية، لكن لا يشاركون بشكل مباشر في تدريب القوات"، و"أن المجموعة الأولى من 500 مجند سني ستكمل تدريبها قريبا في "القاعدة" لتفسح المجال لمجموعة ثانية من نحو 500 سني وافقوا على المشاركة".