لم تأتِ دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري الى حوار موسع قوامه رئيس الحكومة تمام سلام والقوى النيابية من فراغ وفق ما يؤكد العارفون. وعلى ما يبدو التقط نبيه بري اللحظة المناسبة لإطلاق مبادرته رغم صيامه في رمضان عن الكلام السياسي المباح وعملياً طيلة الشغور الرئاسي والذي يقترب من يومه الخمسمئة مع إقتراب التوقيع النهائي على الاتفاق النووي بين ايران والدول الست وإنطلاق مفاعيل هذا الاتفاق على اكثر من صعيد. وفي اجندة بري الكثير من التفاؤل والتعويل على ظواهر او احداث لم تكن ممكنة بل ومستحيلة قبل هذا الاتفاق في المنطقة. فماذا يعني ان يتفق الايرانيون والغرب والاميركيون وان يجلسوا على طاولة واحدة للتفاوض من رأس لرأس وند لند؟ وماذا يعني ان ترفع العقوبات الاقتصادية عن طهران وكل صنوف العقوبات والمحاذير الاخرى على الحركة المالية والتجارية للثورة الاسلامية؟ وماذا يعني تحرير الكتل المالية الضخمة المجمدة في هذه الدول؟ وماذا يعني ان تعود العلاقات الدبلوماسية بين طهران ولندن؟ وماذا يعني ان يسارع الرئيس الاميركي باراك اوباما الى الضغط لتوقيع الاتفاق النووي وتمريره في الكونغرس رغم انف كل المعترضين من اللوبي الصهيوني والنفط الخليجي، وقبل انتهاء حقبتين من الرئاسة للديمقراطيين في البيت الابيض؟ وماذا يعني ايضاً ان تصبح ايران محجة الغرب والاوروبيين لتوقيع العقود الاقتصادية والتبادل التجاري وغيرها من المصالح والمنافع المتبادلة؟ وفي اجندة بري ايضاً وبعد التفاؤل بالحراك القائم في المنطقة بعد الاتفاق النووي ان لبنان لم يعد بعيداً عن نيل "بركات" هذا الاتفاق وثماره.

فلماذا اذا سارع الرئيس سعد الحريري الى مباركة خطوة بري الحوارية؟ فلولا وجود ضوء اخضر سعودي للحريري مشابه للبركات التي نالها في حواره المستمر مع حزب الله لما كان اول المباركين والمثنين. وايضاً، لماذا بارك كل من حزب الله والنائب وليد جنبلاط والنائبين طلال ارسلان واسعد حردان؟ وهذا يعني وفق العارفين وجود مروحة من التوافق الاقليمي والعربي والدولي لفصل لبنان وازماته السهلة نسبياً عن ملفات المنطقة المعقدة. فحتى اللحظة تحضر موسكو الارضية لتسويتها السياسية والتي رغم بطئها تتقدم اكثر فأكثر نحو انجاز موسكو 3 وعلى ما يبدو ووفق العارفين انفسهم فإن تأجيل المسؤول البارز في الخارجية الايرانية امير عبد اللهيان زيارته الى بيروت حيث كان سيلتقي المبعوث الاممي ستيفان دي مسيتورا يؤكد ان الايراني تراجع خطوة في السياسة في الملف السوري وترك للروس ادارة الحوار ولوازم وحوائج التسوية، وللقيادة السورية التفاوض مع الروس والغرب والمعارضة ومن يدعمها في حين تفرّغ الايرانيون لتحقيق اكبر قدر من الانجازات الميدانية لسحق "داعش" وتوابعها التكفيرية من الانبار حتى الزبداني.

نبيه بري لم يترك الارضية اللبنانية من دون ان يعمل بها محراثه. فهو كان قام في الايام الماضية بحوار صامت وبعيد عن الاعلام مع مختلف القوى السياسية لجس النبض واختبار مدى الجهوزية لقيادته حواراً لم يغفل اي ملف او ازمة وحتى قانون الانتخاب وقانون استعادة الجنسية .وهذا ما يؤكد ايضاً دخول "رضى" حزب الله ومن ورائه ايران على خط حلحلة الازمات اللبنانية بما يضمن حضور الحزب وحلفائه ولا سيما الشريك البرتقالي الاستراتيجي.

الحراك المدني في الشارع في ايامه الاولى لم يكن تحت مجهر الرئيس بري وقيادات البلاد الوازنة بل كان يخضع للتدقيق والتمحيص، ولكن بعد السبت والاحد الاسودين وبعد إجراء فحص الحمض النووي تبين للطبقة السياسية ان هناك من يريد اللعب على الكبير وان الامة تتحضر لشبه انقلاب على كل الطبقة السياسية والنظام تحت غطاء الازمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية .فدولة مهترئة لهذه الدرجة وطبقتها السياسية وحكامها غارقون بالفساد والاستهتار من "ساسهم لراسهم" لا بد ان يأتي احد ما واع ومتيقن وقادر ويمتلك كل الامكانات لاقتناص الفرصة لتحقيق ما يرغب. اما من هي الجهات التي تقف وراءه وماذا تريد فعلاً؟ الكل ينتظر نتيجة الDNA وحتى ذلك الحين عاد نبيه بري الى ممارسة لعبته المفضلة جمع الكل على طاولته والتحاور على الخلاف حتى الاتفاق او نضوج التسوية الموعودة!