بعد أن تحول مطار حميميم، مطار مدينة اللاذقية الوحيد، الذي يقع في مدينة جبلة، إلى قاعدة عسكرية روسية صار الحديث عن التواجد الروسي الصريح والعلني في الساحل السوري مادة للحديث في الشارع السوري، والشغل الشاغل لدى الناس ما خلق تضارباً في الآراء بين مرتاح للتواجد الروسي وبين آخر متحفظ.

الروس موجودون بيننا. هذا الأمر بات واقعاً مفروضاً لا يمكن لأحد نكرانه أبداً، واحتمالية أن تراهم بالعين المجردة يجوبون شوارع مدينة اللاذقية هو أمر متاح وليس بعيد المنال. غالباً، تجدهم يترددون على بعض الفنادق لكن من غير الممكن البت في حقيقة وجودهم هناك. هم يقولون أنهم "مجرد زوار"، لكن أشكالهم المميزة والتي يبدو أنها صقلت لمهام خاصة قد تخبرك العكس تماماً وأنهم هناك بهدف محدد. لا يمكنك أن تأخذ منهم لا حقاً ولا باطلاً، منغلقون على أنفسهم يتجولون مع بعضهم لا يسمحون للغرباء بالحديث إليهم، وقد يظهرون القليل من الفظاظة أيضاً.

بدأ الناس في مدينة اللاذقية يتلمسون الوجود الروسي في المنطقة من خلال طيران الاستطلاع الروسي الذي يخرج بشكل يومي تقريباً ليحلق في سماء المدينة، ويرى بالعين المجردة، ويكون بشكل كثيف ليلاً. يقول أحمد، وهو أحد سكان قرية حميميم القريبة جداً من المطار: "الجميع هنا يعلمون بوجود الروس وهم مطمئنون كثيراً، حتى الأطفال. وقد بدأ الطيران الروسي بالتحليق فوق رؤوسنا يومياً ويكون بشكل كثيف ليلاً".

تختلف آراء الشارع السوري حول الوجود الروسي في منطقة الساحل لكن الغالبية العظمى من سكان المدينة الساحلية يرحبون به كل الترحيب، كونه يشكل بارقة الأمل للسوريين وترفد الجيش بالخبرات العسكرية المتطورة، بعد بضع انتكاسات كان سقوط مدينة إدلب بكاملها باستثناء بلدتي كفريا والفوعه بيد المسلحين السوريين أبرزها، وخلقت واقعاً ميدانياً تطلب استنفاراً أعلى درءاً لأي تداعيات أكثر سوءاً، فهل سينجح الوجود الروسي في إعادة بعض أمل مفقود لدى السوريين؟ يبدي غالبية سكان اللاذقية ارتياحاً كلياً للوجود الروسي كونه يشكل عامل أمان لهم، خصوصًا بعد تصاعد الخوف منذ اسابيع في شوارع المدينة الساحلية تحديداً بعد انفجار أول سيارة مفخخة فيها منذ بدء الحرب السورية، فعندما توقف أي شخص بالشارع لتسأله ما شعورك تجاه التواجد الروسي، سيجيبك: "مرتاح جداً وأشعر بالأمان الآن".

يرى رامي صاحب أحد المحال التجارية في منطقة الشيخ ضاهر: "روسيا سوف تعيد الاستقرار إلى سوريا، ومجرد وجودها هنا هو بحد ذاته دافعٌ للارتياح". يضيف: "من جهة أخرى هذه رسالة للغرب والمسلحين أن الساحل هو خط أحمر لا يمكن الاقتراب منه"، فيما تضيف منى (40 عاماً) التي كانت في المحل التجاري: "بدنا نخلص بأي طريقة"، لكن ماذا عن السيادة السورية؟! تجيب: "الجيش السوري هو القوة الأهم لكن روسيا دولة صديقة وتريد الخير لنا فما المانع وأين الخرق في السيادة السورية"! لكن يعتقد فادي (37 عام) أستاذ لغة انكليزية أن: "الجيش السوري بمساعدة الروس سيتمكّن حتماً من استعادة المناطق التي تسيطر عليها التنظيمات الارهابية أي أن اللاذقية هي قاعدة انطلاق باتجاه تحرير الشمال".

في المقابل، تخوفت رؤى العاملة في الشأن الإغاثي (22 عاماً) من أن يكون التواجد العسكري الروسي غير موقت، قائلة: "روسيا بالنهاية متواجدة لحماية مصالحها ليس إلا، وأعتقد أن وجودها لن ينتهي بمجرد انتهاء الحرب بل أعتقد أنه سيمتد وأخاف من أن نتحول لمجرد مستعمرة روسية".

أهالي اللاذقية يقولون إذاً "أهلاً بالروس"، رغم المخاوف المشروعة التي تبقى لدى البعض، ولكنّ الأمل يبقى كبيراً بأن يكون الفرج الذي طال انتظاره قريباً...