الثلاثة أسابيع راحة لأهل الحوار لم تأت عن عبث. ولا هي ذات صلة بسفر الرئيس نبيه بري الى الخارج لبعضة أيام وحسب. إنما هي نتيجة حتمية لمراوحة الحوار عند عقدة محدّدة يتعذّر فكّها. ألا وهي الإنقسام العمودي الحاد في لبنان بين فريقين رئيسين والأطياف الملحقة بهما أو تلك المتحالفة معهما أيضاً... وهو إنقسام على كل شيء تقريباً وبالذات على مسألة رئاسة الجمهورية التي ختمت أمس، يومها الـ 500 من دون التوصل الى بصيص أمل حقيقي يمكن أن يحل طلاسم الرئاسة.

وحسناً فعل رئيس مجلس النواب برفع جلسات الحوار الى السادس والعشرين من الشهر الجاري علّ وعسى تحدث أعجوبة ما تخفف غلواء طرف وتفتح على أعين طرف آخر، وتعطي «دفشة» الى الإستحقاق المحكوم عليه بهذا الجمود القاتل.

طبعاً ليس في الأفق ما يشير الى أنّ تقلّبات أساسية يمكن أن تطرأ على الوضع إن في الداخل أو في الإقليم أو في الخارج البعيد، باستثناء الإعراب عن إستعداد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لاستضافة حوار بين المملكة العربية السعودية وبلدان خليجية وعربية عموماً يجرى في الدوحة على أمل أن يكلل بنجاح ما.

ومن السابق لأوانه الرهان على مثل هذا الحوار: أولاً على عقده، ثم على الموضوعات التي يمكن مناقشتها (والتحاور حولها)، ومن ثم مدى إنعكاس ذلك على الوضع الرئاسي اللبناني الذي يعاني هذا الفراغ القاتل.

وفي المعلومات المسرّبة أن أمير قطر لم يطرح الفكرة في السراب، بل إن ثمة مشاورات أجريت وتجرى، معظمها بعيد من الأضواء، خصصت لجسّ نبض كل من المملكة وإيران. وأنّ هناك شروطاً تبدو للوهلة الأولى بالغة الصعوبة والتعقيد إن لم تكن مستحيلة ربّما كان مكان البحث فيها طاولة الحوار الموعود في الدوحة.

نعرف أنه ليس على قدر من البساطة والسهولة أن يكون لبنان بنداً أساسياً في هذا الحوار. إلاّ أننا نعرف ايضاً أن الرئاسة في لبنان هي موضع إهتمام عربي وخليجي بالذات... وبالتالي ليس مستبعداً أن يخصص المتحاورون العرب والإيرانيون بعضاً من الوقت لهذه المسألة... مع فارق كبير بين هذا المؤتمر (إذا عقد) ومؤتمر الدوحة «اللبناني» الذي تداول فيه اللبنانيون، برعاية عربية ورضى دولي، مسألة الرئاسة قبل سبع سنوات ونصف السنة، وهو ما إنتهى بالتوافق على العماد ميشال سليمان، قائد الجيش اللبناني آنذاك، رئيساً للجمهورية.

إلاّ أن الظرف مغاير تماماً هذه المرة. والعناصر الكبيرة (والمتعاظمة) التي طرأت منذ ذلك الحين الى اليوم أنهكت الأمة العربية واستنفدت الكثير من طاقاتها العسكرية والمالية والإقتصادية. وأبرزها الربيع العربي وتداعياته، ومأساة سوريا، وظهور داعش والنصرة وأخواتهما، وخصوصاً حرب اليمن التي وسّعت الشق بين طهران والرياض.

ولكن نظرة واقعية تجعل لبنان نقطة تقاطع تلك التطورات وهو معني ببعضها كثيراً.

فهل يأتي الترياق من الدوحة مرة ثانية وبمباركة عربية - دولية؟!