وها هي «داعش« تشمل تركيا بـ«نعمتها« من خلال التفجيرين الإرهاربيين في أنقره وقد تجاوزت محصلتهما المئة قتيل والكثير من المصابين، أمس أعلن رجب طيب أردوغان أنّ المعلومات المتوافرة لدى الأجهزة الأمنية التركية تتقاطع عند مسؤولية «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام».

يمكن أن يفهم (من دون أي تبرير طبعاً) أن تستهدف عمليات داعش بلداناً عدة في مشارق الأمة ومغاربها، ولكن لا يمكن فهم إستهدافها تركيا في ظل حكومة أردوغان الذي حاول جاهداً (ونجح جزئياً) في نقل بلد أتاتورك من النظام العلماني مئة في المئة الى دولة إسلامية نسبياً، إن لم يكن في الدستور ونصوص القوانين فعلى الأقل في الممارسة.

ومن دون أن يكون لنا موقف معلن من أردوغان وتصرفاته وعنجهياته ونمو بؤرة الحكم الإمبراطوري الديكتاتوري في طواياه (هل نذكر بطريقة إستقبال محمود عباس الكاريكاتورية؟!)، من دون ذلك نسأل: هل أنّ أردوغان هو «إيراني /فارسي»؟ هل هو منتم الى حزب اللّه التركي؟ هل هو مع النظام السوري ويدعمه بالعتاد والسلاح والرجال؟!

الجواب معروف بالطبع. فلماذا إستهدافه، إذاً، من داعش؟!

ويمكن طرح السؤال، أيضاً، بالنسبة الى المملكة العربية السعودية التي تكررت فيها الأعمال الإرهابية التي تبنتها «داعش».

وما يصح في تركيا والمملكة يصح أيضاً في مصر وتونس والجزائر والكويت وعشرات البلدان العربية والإسلامية والخارجية أيضاً (...).

فمن هي «داعش» فعلاً؟ وماذا تريد؟ وأي إسلام هو هذا الإسلام الهجين الذي تدّعيه هذه «الدولة الإسلامية...»؟

إنّ من يطلع على إعترافات بعض الذين مثلوا ويمثلون أمام القضاء اللبناني بتهمة الإرهاب وبالذات الذين ينتمون منهم الى داعش، خصوصاً من كانوا في صفوف داعش ثم توافرت لهم الظروف للفرار وقد آثروا المحاكمة فالسجن في لبنان على البقاء تحت سلطة لا علاقة لها بالقيم البشرية والدينية على الإطلاق... إنّ من يطلع على إعترافات هؤلاء يذهله ما يدلون به من معلومات عن الظلم والوحشية واللاإنسانية عموماً التي يعامل بها قادة التنظيم بعضهم بعضاً وبالطبع معاملتهم لكوادرهم والعناصر... ولعلّ إطلاق النار من هذا المسؤول على ذاك أو على هذا «الكادر»، أو على ذلك العنصر هو أسهل من شربة الماء... ناهيك بقطع الأيدي والأرجل والأصابع وبقر البطون وسمل العيون الخ... هذا داخل «المنتمين» أنفسهم، فهل نستغرب قطع الرؤوس والحرق بالنار (...) تجاه الآخرين، وبالذات الذين يصنفون أعداء؟!.

إنّ «مأثرة» داعش في تركيا تأتي دليلاً آخر على خطورة هذا التنظيم الذي يأتي من عالم آخر، ومن عصر آخر، ومن عقيدة دينية أخرى، وهو ليس ذا صلة بهذا الزمن لا من قريب أو من بعيد. وأما صلته بالماضي فقد نجحت في الإساءة الى هذا الماضي وناسه أكثر بكثير ممّا فعل المؤرخون المنحازون (ضدّه).