إنّ التطورات الجارية في الشرق الأوسط تؤكد أنّ ظاهرة الارهاب المشؤومة التي انتشرت في العراق وسوريا وغيرهما تتطلب نهضة عالمية لمكافحتها، وأيّ تباطؤ في ذلك سيؤدي الى استفحالها وربما تبلغ مدى يعجز معه الشرق والغرب عن استئصالها إذا فات الأوان.

وما يدور في بلدان المنطقة لا سيما سوريا يؤكد أنّ الذين نصبوا لها الفخ هم اللاعبون نفسهم الذين نصبوا الكمائن في العراق وليبيا واليمن، وهم العناصر نفسهم الذين يخططون لتأجيج الاضطرابات والفوضى المدمرة في الشرق الاوسط وشمال افريقيا.

وإذا كانت تجارب الارهابيين قد برهنت أنّ العمليات الارهابية الفردية لا يمكنها زعزعة أركان حكومة ما، بل لا بد من الاصطفاف ضمن مجموعات تضطلع بمهمات واسعة وفق خطط مدروسة والركون الى قوى اجنبية تدعمها بالمال والسلاح، وما حدث في العراق ثم سوريا خير دليل على ذلك، اذ كانت البداية تفجيرات ارهابية وعمليات انتحارية فردية طالت مدن العراق كبغداد وغيرها منذ سنوات، لكنها آلت الى ظهور مجموعات ارهابية في سوريا كداعش والنصرة وجيش الاسلام والفتح وغيرها، حيث استطاعت اقتطاع اجزاء غير صغيرة من اراضي هذين البلدين.

وفي مقابل هذه الحشود الارهابية، شعرت البلدان المستهدفة وحلفاؤها بالمخاطر، ما دفعها الى الاصطفاف لتشكيل تحالفات تتولى عمليات المكافحة والتصدي، فكان الحلف الرباعي الذي ضم طهران وموسكو وبغداد ودمشق وتشكيل غرفة عمليات مشتركة لتنسيق الجهود وتجميع المعلومات في عمليات القضاء على الارهابيين.

ولم تنحصر الدول المناهضة للارهاب على التحالف الرباعي المذكور، بل تعدّته لتشمل بكين ومجموعتي "بريكس" و"البا"، حيث ادركت ان استمرار ارتكاب المجازر والدمار في سوريا لن يؤدي الى زعزعة الشرق الاوسط فحسب، بل يهدد الامن العالمي برمته.

وبات جليًا أنّ اتساع نطاق الازمة السورية وعسكرة سبل الحل ليس سوى سياسة لم تضف الا المزيد من الخراب والتشرد وهو ما حصل خلال الاعوام المنصرمة من الازمة.

واكسبت هذه التطورات المريرة التي بدأت في العراق وانتشرت في سوريا تجارب للقوى المناهضة للارهاب تقوم على ان لا سبيل للحل الا عبر الوقوف الى جانب الحكومات الشرعية ودعم مؤسساتها القانونية من اجل تعزيز صمودها في مواجهة التطرف وارتكاب المجازر ضد الابرياء والحد من دمار البنى التحتية وهدم الحضارة الانسانية والتراث الثقافي في سوريا والمنطقة.

واستخدم اعداء سوريا وشعبها مختلف الادوات والآليات والمخططات لاطالة امد الازمة وزعزعة الامن في المنطقة، ومهدوا لنمو الارهاب والتطرف وتأجيج الفتن الطائفية والقومية.

واسفرت السياسات والحسابات الاميركية الخاطئة مع بعض اللاعبين الاقليميين عن نمو المجموعات التابعة للقاعدة والتكفيريين والمتطرفين، ويوما بعد يوم، بدت سياسات البيت الابيض في التخطيط لسيناريوهات ترمي لتوسيع رقعة الارهاب والتطرف من سوريا والعراق الى مناطق تتسم بالثبات والامن كالقوقاز وآسيا الوسطى ومناطق اخرى في اوروبا وآسيا.

ولعبت الاجهزة الاستخبارية والتجسسية الغربية لاسيما الـ "سي آي ايه" والتركية "ميت" والدولارات النفطية لامراء الخليج دورا كبيرا في تحويل الازمات في سوريا والعراق وليبيا الى ارض لـ"الجهاد المقدس" بهدف اجتذاب الشبان السلفيين من جميع مناطق العالم لاسيما من آسيا الوسطى وجمهوريات الحكم الذاتي في روسيا الاتحادية.

ويقوم مخطط هذه الاجهزة الاستخبارية وفق السياسة الأميركية على اعادة الشبان القوقازيين المتشددين الى بلدانهم بعد اكتساب التجارب والفنون القتالية بهدف تأجيج الاضطرابات وزعزعة الامن واثارة الفوضى المدمرة والتمهيد لازمات اخرى في الشيشان ومناطق القوقاز وآسيا الوسطى وشرق الصين.

ومع تصعيد أميركا وحلفائها في المنطقة لوتيرة الازمة في سوريا وتهديد نظامها السياسي وبنيتها الحكومية وصنع بيئة مناسبة لنمو الارهاب والتطرف والعنف والدفع بامن المنطقة والعالم الى المخاطر وتقديم الخدمة لشركات انتاج الاسلحة في الغرب وتفعيل اسواقها والدفع باقتصادياتها الى الامام.

ولم يتوان الغرب في صياغة المخططات والسيناريوهات اللاانسانية لاغراق المنطقة بالفوضى، ما حدا بايران وروسيا والصين ومجموعتي "بريكس" و"البا" بتكثيف جهودهما في الدفاع عن دمشق لاحباط اهداف اميركا وحلفائها.

ودخلت ايران وروسيا حربا حقيقية على الارهاب والتطرف في سوريا للاسباب التالية:

- العمليات العسكرية للتحالف الذي تقوده أميركا ضد "داعش" والارهاب في العراق وسوريا اتسم بالضعف وانعدام الكفاءة.

- التصرفات غير المسؤولة لأميركا في مواجهة داعش والمجموعات السلفية والتكفيرية الاخرى صنعت فراغا امنيا مساعدا لتنمية الارهاب في المنطقة.

- تنامي الارهاب في العراق وسوريا جعل النظامين السياسيين في البلدين يواجهان الانهيار والدمار، ما ترك تداعيات وعواقب سيئة للغاية على الامن في المنطقة والعالم.

وافرغت اميركا وبعض اللاعبين في المنطقة جميع قرارات مجلس الامن التي صدرت ضد داعش والارهاب عام 2014 من محتواها، واعاقت مكافحة الارهاب على صعيد المنطقة والعالم، ما جعل الاستقرار العالمي يواجه تهديدات جادة.

وفي مواجهة هذه التصرفات للغرب في مواجهة الارهاب، شكلت العمليات العسكرية لروسيا وايران ضد ارهاب داعش والمجموعات الاخرى التابعة للقاعدة بمثابة ممارسات مسؤولة لانها مثلت رغبات شعوب المنطقة وحكوماتها التي ضاقت ذرعا بالاعتداءات المدمرة للارهاب المتوحش.

والى جانب روسيا وايران، فان الشعوب المحبّة للسلام والمدافعة عن الحضارة تدعم الغارات الروسية على مواضع الارهابيين في سوريا.

ان سجل العمليات العسكرية للتحالف الذي تقوده اميركا ضد داعش في العراق وسوريا عكس صورة مسرحية وسيناريو اجوف غير قادر على اقتلاع الارهاب في المنطقة، بل على العكس مهد الاجواء لاتساع دائرته ونمو نشاطاته.

وفي هذا الاطار، فان النشاط العسكري لروسيا وايران في الدفاع عن دمشق يعدّ ردا مسؤولا ودفاعا عن الامن والسلام العالمي في مواجهة التهديدات الارهابية.

وخلال الاسابيع المنصرمة، برزت مؤشرات سياسية-امنية واضحة للغارات التي شنتها روسيا على مقرات الارهابيين في سوريا، وفي هذا السياق يمكن الاشارة الى اهمها:

- عمليات هروب جماعية لداعش والمجموعات الاخرى التابعة للقاعدة باتجاه تركيا ومناطق تغلغل التحالف الدولي ضد الارهاب، لان هؤلاء الارهابيين يدركون جيدا انهم يستطيعون نيل الامن فيها.

- كشفت الغارات الروسية عن حقيقة الوجه لادعياء مناهضة الارهاب والتطرف، كما جعل اميركا وحلفاءها يشعرون بالهلع حيال جدوى العمليات الروسية ضد الارهاب، ما حدا بها الى اتخاذ مواقف سلبية وتآمرية لايقافها.

- دفعت العمليات العسكرية الروسية بتوازن القوى لصالح الاستقرار والامن والثبات في الدولة السورية، وبات الجميع يدركون ان الامن في هذا البلد يعد صونا للامن والسلام على صعيدي المنطقة والعالم.

- تعد الهجمات الجوية التي تشنها موسكو ضد عناصر القاعدة والمسلحين القوقازيين المغرر بهم من قبل داعش بمثابة خطوة ذكية لاحباط مؤامرات اميركا والناتو الرامية لنقل الازمة والتوتر الى جمهوريات روسيا الاتحادية وبلدان آسيا الوسطى.

- تصب الضربات المدمرة التي تشنها روسيا ضد عناصر داعش والمجموعات الارهابية الاخرى لصالح الاستقرار والثبات السياسي سواء لروسيا او بلدان المنطقة فضلا عن تثبيت اركان اقتصادياتها، كما ان طلب العراق من روسيا مساعدته في مكافحة الارهاب على اراضيه يصب في السياق نفسه، وربما نشهد مثل هذه النشاطات على صعيد الشرق الاوسط المشحون بالاضطرابات.