شكل "النت" ومعه مواقع التواصل الاجتماعي سواء على "تويتر" أو "فايسبوك" أو "واتس آب" أو "إنستاغرام" مصدرًا هامًا لنقل الاخبار والمعلومات لحظة وقوعها، وقد أقبل عليها المواطنون اللبنانيون لمعرفة كلّ عاجل وجديد نظرًا للاوضاع السياسية المتشنجة والاحداث الامنية المتنقلة، لكنها في الاونة الاخيرة تحولت الى بوق لبث الاخبار "الكاذبة" او "الملفقة" و"الشائعات" التي تزيد الاحتقان والتوتير، وكأنها تصب النار على الزيت، في ظل غياب اي رقابة رسمية او مسؤولية اعلامية في عمليات النشر.

وقد غزا "الواتس آب" وهو من أكثر البرامج انتشاراً في العالم هواتف المواطنين في لبنان، ومعه انتشرت ظاهرة "المجموعات الاخبارية" (Groups) لتكسر الروتين الاعلامي، في محاولة لتكريس مفهوم جديد يُعرَف بـ "المواطن الصحفي" أو "الإعلام البديل"، فتحوّلت مجموعاته من وسيلة للتواصل الاجتماعي والعائلي والترفيهي إلى ما يشبه "الوكالة الإعلامية"، التي تقدّم خدمات سريعة فائقة، وتؤمّن إجراء محادثات مباشرة بسهولة، فازداد عدد مستخدميه من جميع الفئات والأعمار، حتى وصل إلى الآباء والأمهات وكبار السن.

اليوم، بات معظم المواطنين يعتمدون على "المجموعات الاخبارية" في تلقّي الأخبار، ينتظرون رنّة الهاتف لمعرفة الأخبار الجديدة والعاجلة، ولا يكتفون بالمشاركة في مجموعة واحدة بل في مجموعات عدة، بعدما ساهم "الواتس اب" في تشبيك المناطق مع بعضها البعض عبر تعميم ارقام من ناشطين اجتماعيين واعلاميين و"هواة نت" للمشاركة فيها، فتحولت إلى سلاح ذي حدّين مع تعمد البعض استخدامها بطريقة مغايرة لاهدافها ونشر الاخبار "المغرضة"، ما يساهم بتوتير الأجواء عبر بث الشائعات وشحن الاختلاف السياسي، حتى بات خبرٌ ملفقٌ واحدٌ يهزّ الامن قبل أنْ يتبين عدم صحته.

وتعيش مدينة صيدا ظاهرة "المجموعات الاخبارية" بكل تفاصيلها اليومية، فبعض "المواقع الاخبارية" حولت خدماتها الاعلامية عبر "الواتس اب"، في محاولة لتحقيق سبق صحفي ومنافسة الاخرين بالسرعة في نقل الاخبار، فيما اللافت انتشارها جنونيا بين مجموعة من الناشطين الاجتماعيين والاعلاميين وحتى بعض السياسيين، بهدف التواصل السريع لمعرفة كل الاخبار الهامة وخاصة الامنية منها، في ظل موجة التفجيرات الانتحارية والاحداث الامنية المتنقلة من منطقة الى أخرى، يساعد في ذلك قيام بعض محطات التلفزة بث الاخبار العاجلة عبر "الهواتف" التي باتت لا تفارق الانسان حتى في نومه.

مشرفون واراء

عبد هو مشرف على إحدى المجموعات الاخبارية في صيدا، ويوضح "انها لاقت استحسانا في البداية، اذ ان هدفها معرفة تفاصيل ما يجري من احداث حولنا في ظل الخلاف السياسي والتوتير الامني، ولكن بعد فترة زمنية قصيرة ومن غير أن ندري، بتنا في كثير من الاحيان ننجر الى توزيع الخبر دون التأكد منه، ما يسبب الارباك والفوضى"، موضحا في الوقت نفسه ان "هذه الوسيلة وتعددها أمر هام وكسر كل تقليد ومألوف لانها تبقي الجميع على تواصل دائم ومعرفة باي حدث طارئ سواء كان سياسيا او أمنيا او إجتماعيا وحتى الولادة والوفاة".

ولا يخفي ابراهيم، وهو مشرف آخر، اهمية انتشار هذه "المجموعات الاخبارية"، لاطلاع الواحد على كل جديد، بسهولة دون عناء، وبلا بحث عن الاخبار، لكنه يستدرك أنّ ضررها في بعض الأحيان اكثر من نفعها، لانها تمرر "السم في الدسم" وتبث "الشائعات" والاخبار "المغلوطة" كل حسب قناعته السياسية ما يجعل منها نموذجا مكررا عن الوسائل الاعلامية ذات الميول السياسية المعروفة، في وقت أحوج ما نكون فيه الى روح المسؤولية والوعي من الانزلاق الى الفتنة الداخلية.

ويؤكد ان "المشكلة تكمن في ان المشرفين عليها ليسوا اعلاميين محترفين، اي انهم لا يدققون في كل الاخبار قبل نشرها وتوزيعها الى مجموعة إلى أخرى، وهم يريدون تحقيق سبق صحفي، ما يسبب الإرباك والفوضى معا في كثير من الاخبار"، مشددا على ان "مصداقيّة الأخبار تقع على عاتق المشرف نفسه، وفي إدارتها وتنظيمها، لأنّها في بعض الأحيان تضمُّ أشخاصاً من اتجاهات سياسية مختلفة، كل واحد يحاول أنْ يبث الخبر الذي يريد من وجهة نظره، وأحياناً نقع في مغالطات، فنكشف حقيقة الأخبار، واحيانا اخرى نضطر الى تصحيح الشائعات، وفق الحدث وأهميته ومدى ارتباطه بالمواطنين أنفسهم".

ويقول محمد مستو، وهو احد المشاركين في مجموعة اخبارية صيداوية، ان هذه المجموعة مهمة بالنسبة له، "فليس لدي الوقت الكافي لاطلع على تفاصيل الاحداث التي تجري عبر متابعة نشرات الاخبار او الملاحق، والان بواسطة الهاتف الذي يلازمني في عملي وتنقلاتي اصبحت اعرف كل شيء، ولا يهم ما يقول البعض من شائعات واخبار مفبركة، لانني مشارك للعلم فقط".

ويخالف رأي محمد، الشاب احمد بوجي، الذي يقول ان المهم في هذه المجموعات الاخبارية ان يكون المشرف عليها اعلاميًا لانه ينشر الاخبار بعد التدقيق فيها والتأكد منها، وليس هواة ويدمغون كل خبر بكلمة "منقول" اي ان ما يقومون به هو نقل الاخبار وليس صناعتها او تغطية الاحداث اليومية.

مزحات مشبوهة

ورغم اختلاف الاراء، فقد وقع الكثير من الابرياء ضحايا لمزحة او شائعة وخاصة في ما يتعلق بالعمليات التفجيرية الانتحارية، منها شاب في النبطية الفوقا، تحول بين ليلة وضحاها الى "انتحاري" افتراضي، بعدما تم تداول صورته الشخصية المنقولة عن "الفيس بوك" ما دفعه الى التقدم بشكوى لدى النيابة العامة ضد مجهول لاقدامه على نشر صورته، وكذلك حولت مزحة "مشبوهة وغير بريئة" شابًا لا حول ولا قوة له الى "انتحاري مفترض" في تفجير الهرمل"، ما اضطره ان يبرر ان لاعلاقة له بـ"اي تفجير او عمل انتحاري لا من قريب أو بعيد وكل القصة انه فقد بطاقته".

ويؤكد ناشطون اجتماعيون، انه مع كل تفجير ارهابي يطال الابرياء، يقع المواطنون تحت رحمة "الخبر الملغوم" ايضا، خبر من هنا او هناك يحمل لهم بعضا من تفاصيل الحادث، او اسماء شهداء او جرحى، وصولا الى تداول صور اشلاء انتحاري مفترض.