ليس أدلّ على تهاوي امبراطورية "ثوار الارز" وفقدان اواصر "الُلحمة الخضراء" الا ان يخرج احمد الحريري امين عام التيار الازرق من باب التبانة، ليؤكد ان الحاكم بأمره في المستقبل عاد الرئيس سعد الحريري بعدما فلتت زمام المبادرة من يديه اكثر من مرة وفي اكثر من استحقاق، لدرجة ان امراء المحاور في طرابلس باتت لهم مرجعيتهم الزرقاء المستقلة في الشمال وتأتمر بأمر ومشورة وتوجيه احد المتقاعدين. انتهت لعبة المحاور ونفدت صلاحيتها وانتفت الغاية منها بعدما فشل المخطط وانهزم المخططون. لا عزل لجبل محسن ولا إقصاء للعلويين من الجبل الى حضن "زعيمهم". بالامس قال الوزير اللواء اشرف ريفي وفي مناسبتين متتاليتين انه لا يمكن ان يرى بشار الاسد بوجه لبناني في بعبدا ورغم انه تعهد بأنه سيلبس التنورة اذا لم يحم منطقته واهله من ميليشيا النظام السوري. انتهت اسطورة قادة المحاور بتسليم بعضهم انفسهم وإجراء تسويات لبعضهم ومحاكمة البعض الآخر ومنهم من اقرّ واعلن صراحة ارتباطه باللواء. فماذا يعني ان يوجّه الحريري - فرع صيدا ونجل النائب بهية الحريري الرسالة من باب التبانة للحلفاء قبل الخصوم ولاهل طرابلس وقضائها من المنتفضين على الخيارات الحريرية الزرقاء؟

سعد الحريري وفي انتظار نضوج كل المعطيات اللازمة لاعلان دعم ترشيح فرنجية والسير فيه، بات مدركاً وقيادة المملكة السعودية ان عقارب الساعة بدأت تدور عكسهما في المنطقة من بدء تطبيق مفاعيل النووي الايراني الى كل المتغيرات الميدانية الاخرى في اليمن وسورية. وهذه الحروب المتناسلة وفتح جبهات التمويل يميناً وشمالاً ومع انخفاض اسعار النفط قد باتت عبئاً على اهل الرياض رغم كل المكابرة بالاحتياطات النقدية والسيولة التي لا تنضب. ومن اكبر تجليات الركود السعودي الاخضر انهيار شبه تام لكل مؤسسات الحريري الابن وبعثرة موظفيها وكوادرها بفعل الشح المالي الكبير والخسائر المتتالية وعدم توفير متطلبات التشغيل ورواتب الموظفين وباقي المتطلبات في حدها الادنى.

الازمات المالية المتكررة للسعودية ومعها ازمة الشيخ سعد ومؤسساته انعكست حكماً على الحلفاء والثائرين في افلاك المجالس الوطنية والمحلية والعابرة للقارات والتابعة لـ" "ثورة" الارز من المؤسسات والاذرع الاعلامية والسياسية الى الاجنحة الطالبية والنقابية ،وكذلك تراجع في السياسة المحلية وخسارة النفوذ والسلطة والسطوة التي كانت توفر المال التشغيلي اللازم حتى كانت تصل "المكرّمات الملكية". فماذا يعني ايضاً ان يطل شبح الافلاس على العديد من المؤسسات السياسية والحزبية والاعلامية والكشفية والرياضية والجامعية والنقابية؟ وعلام تدل الخسائرالمتتالية للنقابات والجماعات لصالح التيار الوطني الحر وتحالفه مع لقاء الاحزاب الوطنية وشخصيات 8 آذار؟

وما يميّز هذه الانتصارات لقوى الدفع البرتقالي مشفوعة بتحالف قوى المقاومة والممانعة ،انها تأتي في لحظة مصيرية وتواكب اللحظة المصيرية التي تتحول فيها المنطقة من تراجعات لقوى المقاومة والاستبسال في التصدي والصمود الى حركة التفاف لاستعادة المبادرة والهجوم الكامل لانهاء الارهاب وطرده. وقد لا تكون الانتصارات النقابية لـ8 آذار في عقر 14 آذار عبارة عن تحول عام وكامل في الاجيال الجامعية والنقابية الطالعة والتي جربت 10 اعوام من الخذلان والخداع والانهيارات لفريق نشأ من رحم ازمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والتي فرضت على كل لبنان وحاول الجناة ان يُدفعوا ثمنها دماً لكل لبنان وما زالوا يحاولون رغم ان محكمتهم المزعومة لتحقيق العدالة تلفظ انفاسها الاخيرة حتى ولو لم يعلن القيّمون عليها انها في موت سريري فلإنهم ببساطة يكابرون في السياسة ويريدون تشغيلها بالمال اللبناني وغيره، والا كيف سيدفعون لمن اتوا بهم؟ وكيف سيحصّلون موازنات المحكمة الكبيرة والهائلة سنوياً؟

بعد النقابات والجامعات التي تشكل بداية النهاية لفقدان 14 آذار وتيار المستقبل "بريقهما" و"سحرهما" بسبب غياب المشروع والرؤية وثبات الخيارات السياسية ووضوح الهوية، ساهما في تعزيز فكرة المشروع العربي القومي وقضية فلسطين ونضال شعبها ضد المحتل والمقاومة وانجازاتها ضد العدو الصهيوني والتكفيري من الاطر التنظيمية الجامدة ومن الابعاد التنظيرية الى ابعاد بحت عملية ولترسخ في قلوب شباب عشقوا الثورة وارادوها مظلة لكل الثائرين واصحاب الحق والمبادىء. والاصرار عليها سيؤتى ثماره في النهاية.

قانون الانتخاب الذي يحكى عن تداول في مناقشته لن يصل في اللجنة النيابية الى خواتيم مرجوة والى تغيير حقيقي في التمثيل وتصحيح ثغراته كي تكون النسبية قولاً وفعلا. فالقوى المتضررة من استعادة الشارع نبض شبابه وتعزيز خياراته على اسس صحيحة وملموسة ستقف حائلا من دون ذلك. فلا تيار المستقبل والنائب وليد جنبلاط ولا حتى الكتائب والقوات مستعدون لخفض مطالبهم الى ما دون قانون انتخاب الذي يفترض ان يحفظ "الحصة" المفترضة لكل منهم ومن دون ان يشعر اي مكون ان نده في المنطقة او قريبه في الدم الطائفي يتقاسم معه النفوذ والمقاعد.