تكاد عبارة "الإرهاب" تختصر، بمعانيها وتجلياتها، العام 2015 عن حقّ وجدارة، إرهابٌ ثبت أنّه عابرٌ للحدود الجغرافيّة وغير الجغرافية، ليكتسب صفة "المعولم" من دون أدنى شكّ...

في هذا العام، انقلب السحر على الساحر، ولم يعد "الإرهاب" محصورًا في نقاطٍ محدّدة من منطقة أريد لها أن تبقى "ملتهبة". لم تعد سوريا وحدها "جحيمًا"، ولم يعد العراق وحده يعاني، ولم تعد دول ما سُمّي بـ"الربيع العربي" وحدها "تدفع الثمن"، إذ بات يمكن القول أنّ أحدًا لم يعد بمنأى عن الخطر.

وفي هذا العام أيضًا، تحوّلت "الحروب الباردة" التي طبعت العام 2014، وفق توصيف "النشرة" في تقريرها السنوي الأخير، إلى حروبٍ "ساخنة" بل "حامية" بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى، وهو ما تُرجِم بنشوء تحالفاتٍ وائتلافاتٍ وسّعت "كرة النار" بدل إطفائها...

فرنسا تنال قسطها

من البوابة الفرنسية، تسلّل الإرهاب ليعلن عن توسيع مشاريعه وطموحاته، بعدما أصبحت أعماله الإجرامية، خصوصًا في سوريا والعراق، بمثابة الأحداث الروتينية التي لا تتصدّر حتى عناوين نشرات الأخبار ومانشيتات الصحف.

هي "الصدمة"، وقد استطاع الإرهاب إحداثها مطلع العام مع ما اصطُلِح على تسميته بأحداث "شارلي إيبدو"، التي وقعت في السابع من كانون الثاني، مفجّرة "ثورة" حول العالم كلّه، ضدّ إرهابٍ اعتقد كثيرون أنّه لن يصل إليهم، فإذا بالعكس يحصل، فارضًا تغييرًا في "قواعد اللعبة"، عنوانه أنّ "لا حصانة بعد اليوم".

وقبل أن "يستوعب" الفرنسيون، ومعهم العالم بأسره، "الصدمة"، أتت أحداث الثالث عشر من تشرين الثاني بتأثيراتٍ مضاعَفة، من خلال الهجمات المتزامنة التي استهدفت المدنيين الآمنين في أماكن متفرّقة من العاصمة الفرنسية، من الملاعب الرياضية إلى المؤتمرات الموسيقية، خارقة كلّ إجراءات الحماية الاستثنائية.

رعبٌ عالميّ...

ولعلّ "الرعب" الذي نتج عن هذه "الاعتداءات" يفوقها خطورةً بأشواط، فباريس، مثلها مثل غيرها من العواصم الغربيّة "المتحضّرة"، لم تعد واحة أمان، وما الأخبار عن "بلاغاتٍ كاذبة"، وإخلاء ساحةٍ من هنا واستنفارٍ هناك إلا خير دليل على حالة "التخبّط" الآخذة في التوسّع أكثر فأكثر.

وإذا كانت فرنسا تعرّضت لموجات الإرهاب الأقسى غربيًا خلال العام الماضي، فإنّ "الرعب" شمل مختلف أنحاء العالم. من دول القارة الأوروبية العجوز إلى روسيا وغيرها، لم يمرّ يومٌ، خصوصًا خلال الربع الأخير من العام، من دون تسجيل حالة استنفارٍ في عاصمةٍ ما، سواء للاشتباه بوجود متفجّرات، أو لتلقي بلاغاتٍ بالجملة، تبيّن أنّ معظمها كاذب، ولكنّه كان كافياً لبثّ الذعر والبلبلة في نفوس مواطنين لم يعودوا يشعرون بالأمان.

أما أميركا، فلم تعد هي الأخرى "عصيّة" على "الإرهاب"، وحوادث إطلاق النار التي شهدتها العديد من ولاياتها خلال العام 2015 أكثر من أن تُعَدّ أو تُحصى، منها ما رُصِدت البصمات "الإرهابية" وراءها، ومنها ما قيل أنّها "فرديّة". ولعلّ الاعتداءات التي شهدتها كاليفورنيا مطلع شهر كانون الأول هي الأكثر خطورة على الإطلاق، خصوصًا بعد تبنّيها الرسمي من قبل تنظيم "داعش"، وإن حاولت السلطات التخفيف من وطأتها.

الإرهاب واحد...

وإذا كان الغرب قد "صُدِم" بوصول "الإرهاب" إلى عقر داره، بعدما ظنّ أنّه سيبقى "محيَّدًا، فإنّ منطقة الشرق الأوسط كانت خلال العام 2015 على موعدٍ مع جولاتٍ دمويّة جديدة منه، لم توفّر أيّ دولةٍ فيه، من المحيط إلى الخليج.

هكذا، لم يكد يمرّ يومٌ واحدٌ من رزنامة العام 2015 دون أن تعكّر صفوه أنباء عن تفجيرٍ انتحاري وقع في هذه العاصمة أو تلك، أو معلوماتٌ عن مخططٍ إرهابيّ محتمَل في هذه الدولة أو تلك. وفي حين بقيت سوريا والعراق في واجهة المشهد "الإرهابيّ"، واستمرّت تونس ومصر مسرحًا للإرهاب الذي لم يغادرها منذ انطلاقة "الربيع العربي" الذي أضحى "خريفًا وشتاءً" بفعل الخراب والتدمير الذي أحدثه، فإنّ الجديد هذا العام كان دخول الخليج على خط المواجهة، بحيث كانت مساجد السعودية والكويت "هدفاً معلنًا" للتنظيمات الإرهابية، التي لم تتأخر في تبنّي استهدافها، من دون أن تكترث لهول استهداف "بيوت الله" أثناء تأدية المؤمنين للصلاة فيها.

ويبقى الحدث "الإرهابيّ" الأكثر "غموضاً" هذا العام هو الذاك الذي شهدته سيناء في الحادي والثلاثين من تشرين الأول، عندما أسقِطت طائرة مدنية روسية وقتِل جميع ركّابها، في حادثٍ استبعدت السلطات المعنيّة في بادئ الأمر الفرضية "الإرهابيّة" عنه رغم إعلان تنظيم "داعش" مسؤوليته عنه، قبل أن يذعن الروس للأمر، ويرفض المصريّون الإقرار بالأمر الواقع لغاية تاريخه.

روسيا على الأرض!

ويرى كثيرون أنّ إسقاط الطائرة الروسية أتى نتيجة للتطور الأبرز الذي شهدته الساحة السورية هذا العام، والذي شكّل "نقلة نوعية" في سياق الأزمة السورية المستمرّة للعام الخامس على التوالي، والذي تمثّل بالانخراط الروسي على خط الأحداث، والذي بات رسميًا بدءًا من الثلاثين من أيلول مع إعلان وزارة الدفاع الروسية عن بدء عملياتها ضدّ التنظيمات الإرهابية في سوريا، وذلك بعد ساعاتٍ على موافقة المجلس الفدرالي الروسي على قيام الجيش بمهام عسكرية خارجية.

وفي حين تمّ تبرير هذا التدخّل، الذي وصفته الكنيسة الكاثوليكية بـ"المقدّس"، على أنّه "استجابة" لطلبٍ رسمي سوري تقدّم به الرئيس السوري بشار الاسد شخصيًا من نظيره الروسي فلاديمير بوتين، علمًا أنّ لقاءً جمع الرجلين سُجّل في وقتٍ لاحقٍ من العام في موسكو، فإنّ الأكيد أنّه لم يمرّ من دون "تداعيات"، ولعلّ تدهور العلاقات التركية الروسية في أعقاب إسقاط أنقرة لطائرة روسية على حدودها مع سوريا في الرابع والعشرين من تشرين الثاني خير دليلٍ على ذلك، خصوصًا أنّه أدّى لما يشبه "الحرب الباردة" بين الدولتين، اللتين لم يستطع "الوسطاء" تقريب وجهات النظر بينهما، رغم كلّ المحاولات والمساعي التي لا يبدو أنّها ستتوقف في القريب العاجل.

اتفاقٌ تاريخي!

وبعيدًا عن الإرهاب وممارساته المتنقّلة، فإنّ المراقبين يكادون يجمعون على أنّ حدث العام دون منازع كان توقيع ​الاتفاق النووي​ بين الجمهورية الإسلامية في إيران والدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، في الرابع عشر من تموز، بعد سلسلة مفاوضات "ماراتونية" بدأت منذ العام الماضي.

وإذا كان كلّ من الأميركيين والإيرانيين سارعوا لتوصيف الاتفاق "التاريخي" بأنّه "انتصارٌ" لخطّهم السياسي والدبلوماسي، فإنّ الأكيد أنّه رسم خطوطاً جديدة في مسار العلاقات في المنطقة، بحيث أنّ ما قبله لم ولن يكون كما بعده، باعتبار أنّ جلوس "الشيطان الأكبر" و"محور الشرّ" على طاولةٍ واحدة غيّر كلّ المعادلات في المنطقة.

واللافت في سياق المتابعة لهذا الاتفاق وإفرازاته كان تلاقي "حلفاء" الولايات المتحدة على رفضه أو بالحدّ الأدنى مقاربته بحذر وتأنٍّ، وفي مقدّمة هؤلاء كلّ من المملكة العربية السعودية وإسرائيل، التي قاد رئيس حكومتها بنيامين نتانياهو حملة دبلوماسية عنيفة ضدّ الاتفاق، أوحت للبعض بأنّ "خللاً" ما أصاب العلاقة بين الجانبَين سرعان ما تبدّد.

حزمٌ وتغيّرات...

أما السعودية، التي قيل أنّها من أكبر المتضرّرين من الاتفاق، فلم تكن سنة 2015 سنة خيرٍ وسلامٍ بالنسبة لها، وهي التي أنهت في شهرها الأول عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز ليتسلّم البيعة شقيقه سلمان، فيُحدِث تغييراتٍ من الطراز الرفيع في مناصبها العُليا، لتغيب رموزٌ طبعت تاريخ المملكة الحديث وتظهر أخرى.

وتحت عنوان "​عاصفة الحزم​"، دخلت السعودية "المستنقع اليمني" من الباب العريض، فإذا بها تورّط نفسها، كما رأى كثيرون، في حربٍ لا ناقة لها فيها ولا جمل، الأمر الذي لم يحوّل أرض "اليمن السعيد" لخرابٍ ودمار فحسب، بل شرّع حدودها أمام المجهول، مجهول تمثّل بالأنباء شبه اليومية عن خسائر في صفوف جنودها المرابطين على الحدود، حيث كانت القذائف تتساقط عليهم بوتيرةٍ شبه عالية.

موسم حجّ دمويّ...

وقبل أن ينتهي العام، وتزامنًا مع إطلاق السعودية لما سمّي بعملية "إعادة الأمل" في اليمن، وسعيها لتثبيت اتفاقٍ لوقف إطلاق النار، من دون تحقيق أيٍ من أهداف الحرب، أتى الإعلان عن تشكيل "التحالف الإسلاميّ" الذي بقيت الضبابية تلفّه من كلّ حدبٍ وصوب، خصوصًا أنّ عدداً من "أعضائه" لم يكن على علمٍ مسبق به، تمامًا كما أنّ مهامه وأهدافه بقيت مبهمة وغير واضحة.

وتبقى "كارثة منى" الخضّة الأكبر التي شهدتها السعودية هذا العام، والتي حوّلت ​موسم الحج​ّ السنوي إلى موسمٍ دموي، في الحادث الذي وُصِف بالأعنف منذ عقود، والذي أدّى لسقوط مئات الضحايا من الحجّاج، جزءٌ كبيرٌ منهم من الإيرانيين، الأمر الذي ساهم في "توتير" العلاقات السعودية الإيرانية أكثر، وأفسح المجال أمام "حربٍ كلامية" عالية اللجنة بين قيادتي البلدين، كادت معها الأمور تخرج من دائرة السيطرة والضبط.

انتفاضة من نوعٍ آخر...

أما ​القضية الفلسطينية​، المفترض أنّها القضية المركزية الأولى للعرب، فغابت هذا العام أيضًا عن سلّم أولوياتهم على الصعيد الرسمي، بحيث لم تلحظها لا عواصف الحزم ولا التحالفات الإسلامية وغير الإسلامية التي نشأت، ولم تُعِرها المؤتمرات والندوات على كثرتها أيّ اهتمامٍ يُذكَر.

إلا أنّ الفلسطينيين قرّروا هذا العام "تحدّي" كلّ المعوّقات، فأطلقوا بشكلٍ عفويّ "انتفاضة" من نوعٍ آخر، سُمّيت بـ"انتفاضة السكاكين"، أرادوا من خلالها أن يردّوا على الممارسات والاستفزازات الاسرائيلية، التي تمثلت خصوصًا بتكرار اقتحامات المستوطنين لباحات المسجد الأقصى، وأن يقولوا أنّ قضيتهم لم ولن تُنسى.

وممّا لا شكّ فيه أنّ هذه "الانتفاضة"، رغم تواضع إمكانياتها، استطاعت أن تُحدِث قلقًا في الأوساط الإسرائيلية، خصوصًا من خلال التأثيرات النفسية التي تركتها على الجنود الإسرائيليين، الذين باتوا يشتبهون بأنفسهم قبل غيرهم.

تسويات أم حروب؟

هكذا، يمكن القول أنّ "الشرّ" تغلّب على "الخير" في سنة 2015، بحيث لا يكاد المرء يجد "حدثاً إيجابياً" وسط الأحداث "السلبية" التي حفل بها العام.

بدل أن تتمّ مكافحة الإرهاب، تمدّد أكثر وأكثر، وبات خطره يتهدّد كلّ الدول من دون استثناء في العام 2015. وإذا كان الخوف من "الآتي الأعظم" يبقى مشروعًا، فإنّ "التوحّد" في مواجهته يبقى السبيل الأوحد لتفادي "تداعياته"، وهنا "النقطة الفاصلة" التي إما تقود الجميع إلى "التسويات الضرورية" أو إلى "الحروب الحتمية"، وعندها لن ينفع أيّ ندمٍ...

للاطلاع على أحداث العالم خلال العام 2015 على قاعدة "كل يوم بيومه" اضغطهنا.