حتى الساعة لم يخرج اي رد حقيقي وواقعي بالارقام والمعطيات والاحصاءات على كلام وزيري المالية والاشغال العامة علي حسن خليل وغازي زعيتر. الوزيران المذكوران كانا خرجا قبل ايام للتعليق على ما ورد على ألسنة القوى المسيحية السياسية والدينية، عن تهميش وغبن لاحقين بموظفي الفئة الاولى من المسيحيين في المالية واعتماد الكيدية في المشاريع الخدماتية والتي تنفذها الاشغال.

ومنذ الطائف حتى اليوم لا تنتهي شكوى الطوائف المسيحية على تعددها في لبنان عند حدود التهميش السياسي، بل تتعداها الى الهم المعيشي والاقتصادي و"سرقة الحقوق" في توظيفات القطاعات العامة كافة من مجلس النواب الى كل إدارات الدولة.

في حزيران الماضي صدر عن احدى شركات الاحصاء الخاصة، دراسة عن التوظيفات التي تمت خلال العام 2014 من الجامعة اللبنانية الى تثبيت بعض المتعاقدين في شركة الكهرباء والمياه والهاتف وصولا الى مباريات محصورة لتدعيم ملاك بعض الوزارات الخدماتية.

وتشير الدراسة الى طغيان عدد الموظفين من المسلمين، على اختلاف مذاهبهم بنسبة الثلثين، على عدد المسيحيين الذين بلغوا بأحسن الاحوال الثلث زائداً واحداً، وهو ما يعد مخالفة واضحة للمادة 95 من الدستور التي تنص على المناصفة في التوظيفات العام لكل الفئات باستثناء الفئة الاولى.

هذه الدراسة ضمّت الى غيرها من عشرات ومئات الاحصاءات التي باتت تضج بها خزائن اللجنة، التي شكلتها بكركي لتشجيع المسيحيين على التشبث بأرضهم وعدم بيع اراضيهم في لبنان. وكذلك الانخراط في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والامنية، ولعب ادوار مؤثرة على المستوى الوطني والحفاظ على الكيان وديمومة الوجود المسيحي داخل لبنان.

كما يتوجس المسيحيون شراً مما يرونه من تهجير وتكفير واستهداف للوجود المسيحي وخصوصا ان عدد المسيحيين يتضاءل يوما بعد يوم. فبعد ان كانوا يشكلون على سبيل المثال 27 بالمئة من سكان فلسطين المحتلة قبل الاحتلال الصهيوني، صاروا اليوم 2 في المئة، وفي العراق وقبل هجمات 11 ايلول والاحتلال الاميركي للعراق كان المسيحيون 25 في المئة واصبحوا اليوم 3 في المئة وما دون مع الهجرة اليومية لعشرات العائلات الكلدانية والآشورية. وفي سورية ايضا الطامة الكبرى والمحنة اليومية المستمرة. ويفيد إحصاء غربي ان عدد المهجرين من المسيحيين منذ بدء الازمة السورية بلغ حتى الآن اكثر من نصف مليون والرقم في ازدياد.

ويعتقد القادة المسيحيون وخصوصاً الموارنة منهم، ان استمرار الشغور وتعطيل الانتخابات الرئاسية وجه من وجوه الالغاء المسيحي وتهميشه، وهي جزء من حرب افراغ المؤسسات وتهجير المسيحيين وضرب لهيبة الدولة التي تمثلها الرئاسة الاولى وهي ام السلطات ولا يمكن القبول بغياب رأس الهرم. فكيف لو كان هذا الرئيس من غير الموارنة فهل كان سيقبل الشريك المسلم بغياب ممثله في رئاسة مجلس النواب وكذلك في الحكومة؟

وبطبيعة الحال لا تكتمل الصورة بعرض الوقائع النظرية سواء اكانت مدعمة بالوثائق والدراسات ام لا. اذ ان المطلوب ان يكون هناك منهج علمي واضح ودقيق وخاضع للبحث والنقاش من كل الاطراف: المتضررة والمتهمة بإحداث هذا الضرر.

في السياسة، والوجدان الشعبي والحزبي، لم تمح بعد من الذاكرة ويلات وآثار الحرب الاهلية وصورها البشعة وخصوصاً من سجلات ونقاشات احزاب اليسار اللبناني او الجبهة الوطنية التي تنضوي اليوم في قوى 8 آذار ولقاء احزابها.

المطالبة بحقوق المسيحيين وتوظيفاتهم لا يجب ان تكون سحابة تمر مع تبدل المناخ السياسي او، عند الشعور بوجوب إحداث "صدمة" لفرض على الطرف الآخر تقديم تنازلات. في حزيران الماضي ايضاً طرح العماد ميشال عون الفيدرالية كحل لرفع الغبن، ووقتها كان بداية معركة التعيينات العسكرية والامنية وقيادة الجيش التي يفترض ان يتولاها ماروني. وهنا تكمن الاجابة عن اي سؤال بأمرين: التوقيت والغرض.

وعلى مسافة يومين من الجلسة الرئاسية خرجت الى الواجهة مجدداً "نغمة التهميش" المسيحي في الوظائف العامة، من دون ان تعزز اتهامات القوى المسيحية للرئيس نبيه بري ورجالاته في الوزارات بأية ادلة على حد وصف مرجع بارز في 8 آذار.

ويؤكد هذا المرجع اننا امام استعادة لخطاب ونفس آخر ما يحتاج اليه اللبنانيون في هذا التوقيت العصيب، ورغم ذلك لا نغض النظر، ولا نتجاهل مطالب شركائنا المسيحيين وحليفنا العماد عون بغض النظر عن تأكدنا انها حملات للضغط السياسي على حليفنا الآخر الرئيس بري وفرض تنازلات عليه، قبل ساعات من جلسة الانتخاب الرئاسي. ونحن نعرف جيداً ان العلاقة بين بري وعون ليست على ما يرام لكنها ليست بالسوء الذي يفرض "معركة كسر عظم" بينهما او يجعل الاختلال الطائفي داخل الوظائف العامة في الواجهة الى حد القرع في طبول الحرب الاهلية.

على مسافة 48 ساعة لجلسة الاثنين تجري المشاورات بين حزب الله والعماد عون وحلفائهما حول الجلسة والنصاب والحضور او الغياب، ولم يحسم الامر، وعليه ستختفي كل حملات الغبن والاستغبان لغياب التأثير الفعلي ولعدم وجود معطيات حقيقية وادلة ثابتة وواقع ملموس يعزز فرضية و"شبهة تورط" بري في دم "التهميش المسيحي".